موعظة يوم الأحد 24 تشرين الثاني 2024. موعظة أحد المسيح الملك
دا 7، 13 – 17 رؤ 1، 5 – 8 يو 18، 33 – 37
فعادَ بيلاطُس إِلى دارِ الحُكومة، ثُمَّ دَعا يسوعَ وقالَ له: «أَأَنتَ مَلِكُ اليَهود؟» جابَ يسوع: «أَمِن عِندِكَ تَقولُ هذا أَم قالَه لَكَ فِيَّ آخَرون؟ أَجابَ بيلاطُس: «أَتُراني يَهودِيًّا؟ إِنَّ أُمَّتَكَ والأَحبارَ أَسلَموكَ إِلَيَّ. ماذا فَعَلتَ؟ »أَجابَ يسوع: «لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم. لَو كانَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم لَدافعَ عَنِّي حَرَسي لِكي لا أُسلَمَ إِلى اليَهود. ولكِنَّ مَملَكَتي لَيسَت مِن ههُنا». فقالَ له بيلاطُس: «إِذَن فأَنتَ مَلِك!» أَجابَ يسوع: «هوَ ما تَقول، فإِنِّي مَلِك. وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوتي».
الموعظة
تعبير «المسيح الملك» يعني أن المسيح له سلطة شاملة، على البشرية والطبيعة التي ترتبط بها البشرية. ليس من أمر أكثر اضطراباً من أن يُعطى للإنسان إمكانية التأثير على حرية الآخرين وتوجيههم. بأي حق وبأي صفة تُعطى له هذه الإمكانية؟ منذ الأزل، اخترعنا دائمًا أنظمة لتعيين أصحاب السلطة: الوراثة، الاختيار...لأن السلطة لا بد منها لتوقيف العنف الناتج من المنافسة الشرسة والضارية بين البشر.
في الواقع، كل إنسان يتطلع لسلطة ما لأنه بالإضافة إلى الإيجابيات التي يحصدها منها فهي تشعره بأهميته، بقيمته ويصبح محطَّ أنظار الآخرين. فهناك إذن بحث عن السلطة لدى كل إنسان، وأحد كبار السياسيين الفرنسيين قال: «عندما نتذوق السلطة لا يمكننا التخلي عنها». في الحقيقة السلطة هي بمثابة مخدر تنسي الإنسان هشاشته ويعتقد أنه كلي القدرة. فالبحث عن السلطة من أجل ذاتها هو شر لأن ما يبرر السلطة هو أولاً «عدم المساواة» أي الفوقية التي يجب أن تكون واقعية: معرفة أكثر، ذكاء أكبر، إمكانية أكبر لاتخاذ القرار.
كل هذا يبرر ممارسة السلطة على الآخرين، على الأقل مؤقتاً وفي حال كانت هذه السلطة مقبولة. وكلنا نمارس شيء من السلطة بفضل إمكانياتنا أو مسؤولياتنا. سلطة ضمن مجالنا وعلى مقاسنا (عائلية، مهنية، الخ). وما ذا يمكننا القول عن سلطة يسوع؟ يسوع يقول لبيلاطس بأن مملكته ليست من هذا العالم. هذا يعني بأنها لم تُعطى له من قبل البشر: لم يحصل عليها لا من وطنه، ولا من الشعب ولا من عظماء الكهنة؛ هذا يعني أيضاً أنه لا يمارسها على مثال الملوك العاديين. ليس له من حرس ولا جيش ولا يجعل الآخرين يشعرون بسلطته.
أخيراً هذه المملكة ليست من طبيعة المملكات الأخرى؛ فهي لا تسعى لاحتواء ووقف العنف المحتمل في العلاقات البشرية، مما يتطلب ممارسة عنف أقوى. سلطة يسوع تُمارس بإلغاء جذر وأساس العنف في العالم. العنف هنا بمعناه الشامل، أي محاولة حلّ حريتنا مكان حرية الآخر. ولكن كيف يمكن الحكم دون أن نفرض أنفسنا؟ يسوع يقول لبيلاطس: «جئت لأشهد للحق».
وما هو الحق؟ هو الله ذاته، وبشكل أدق الحق هو الذي يجعل الإنسان يوجد فعلياً، الحق هو باتجاه الخلق. وعلى العكس، الكذب هو من يتوه بالإنسان على طرق مسدودة. فهناك شيء من التواطؤ بين الإنسان وشهادة يسوع: الحقيقة تفرض ذاتها (سلطة) لأنها، حياة الإنسان عينها، وبولس الرسول يقول: «لا قُوَّةَ لَنا على ما يُخالِفُ الحَقّ، بل قُوَّتُنا في سَبيلِ الحَقّ» (2 قور 13، 8)، حقيقة تتجاوز من يعلنها. فما يبرر سلطة يسوع هو كونها تدعو الإنسان لإتمام ذاته.
جزئياً، ولكن هذا أمر أساسي، يأخذ يسوع السلطة من خلال «استعراض» إن صح التعبير: بخضوعه للعنف ـــــ والخضوع هو عكس السلطة ــــ يعلن بأن السلطة الحقيقية ليست سلطة التسلط. إنه يبين غرور وتفاهة وشذوذ التصرفات التي تسعى إلى التصرف والتحكم بالآخرين. هذا الانسحاق للمسيح يقدمه يوحنا الإنجيلي على أنه «ارتفاع»: المسيح المصلوب ارتفع عن الأرض والجميع ينظر إليه، يلتفتون إليه. إنه يجذب كل البشر لأن الحقيقة تجذب كل ما هو حقيقي فينا.
لماذا، إذن، كلمة «استعراض»؟ لأن يسوع يضع أمام أعيننا، يعري، خطيئة الإنسان، كذبه ومن جهة أُخرى، حقيقة الحب. يسوع، لا يفرض علينا الحق؛ وإلاّ يكون قد تبنى موقف العنف الذي هي عكس الحق وبالتالي هراء. إنه يُظهر الحق و«كُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوته» ويتتلمذ له. هذا هو ملك المسيح الذي لا يشبه أي ملك آخر لأنه يقدم ذاته تحت شكل معاكس للملك. الرب هو من يصبح عبدًا، ومن يصبح عبدًا فقط يمكنه أن يكون سيدًا.