موعظة يوم الأحد 9 آذار 2025. موعظة الأحد الأول من زمن الصوم
تث 26، 4 – 10 رو 10، 8 – 13 لو 4، 1 – 13
«ورَجَعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البرِّيَّةِ أَربَعينَ يوماً، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئاً في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا انقَضَت أَحَسَّ بِالجوع. فقالَ له إِبليس: « إِن كُنتَ ابنَ الله، فَمُر هذا الحَجَرَ أَن يَصيرَ رَغيفاً». فأَجابَه يسوع: «مَكتوبٌ: لَيَس بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان». فصَعِدَ بِهِ إِبليس، وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الأَرضِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَن، وقالَ له: «أُوليكَ هذا السُّلطانَ كُلَّه ومَجدَ هذهِ الـمَمالِك، لِأَنَّه سُلِّمَ إِليَّ وأَنا أُولِيه مَن أَشاء. فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذلكَ كُلُّه». فَأَجابَه يسوع: «مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد، وإِيَّاه وَحدَه تَعبُد». فمَضى بِه إِلى أُورَشَليم، وأَقامَه على شُرفَةِ الـهَيكلِ وقالَ له: « إِن كُنتَ ابنَ الله، فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إِلى الأَسفَل، لِأَنَّهُ مَكتوبٌ: يُوصي مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ». ومكتوبٌ أَيضاً: «على أَيديهِم يَحمِلونَكَ لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجَرِ رِجلَكَ». فأَجابَه يسوع: « لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلـهَكَ». فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جمَيعَ مَا عِندَه مِن تَجرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إِلى أَن يَحينَ الوَقْت».
الموعظة
بالصدقة والصلاة والصوم يغطي يسوع كل مجال النشاط الإنساني. تشير الصدقة إلى العلاقات مع الآخرين، بكل الأشكال التي يمكن أن تتخذها؛ والصلاة هي علاقة مع الله؛ أمَّا الصوم، فهو العلاقة مع الطبيعة، مع الأشياء. للوهلة الأولى، يبدو أن الصلاة فقط هي التي تخص الله، لكن النص يخبرنا أن كل ما نقوم به، في كافة المجالات، له علاقة به. «فإِذا أَكَلتُم أَو شَرِبتُم أَو مَهما فَعَلتُم، فَٱفعَلوا كُلَّ شَيءٍ لِمَجدِ الله» (1 قور 10، 31).
وبالتحديد، يقول يسوع أنه من غير المجدي أن نفعل أي شيء من أجل مجدنا الشخصي، أي أن نعمل على جلب الآخرين لتقديم «العبادة» لنا. في الواقع، فعلنا يبدأ منا ليعود إلينا. وبالتالي، يصبح الآخرون عبيدًا، وأعمالنا لا تؤدي إلا إلينا ولا تخرجنا من عالم الموت. «دائرة مُفرغة». إن تمجيد الآخرين لنا هو إزاحة الله ووضع أنفسنا مكانه، ولا يمكن لأحد أن يضع نفسه مكان الله. على العكس من ذلك، فإن الفعل الذي ينتهي بالله ينتزعنا من أنفسنا.
أفعالنا، ونحن معها، ندخل على الفور إلى الحياة الأبدية. «للرب السيد مخارج الموت» (مز 68، 21). بالطبع، للقيام بذلك علينا أن ننسى أنفسنا، لا نعمل من أجل مجدنا الخاص، ولكن هذا النوع من الموت له مخرج، والمخرج هو الله نفسه. ينبغي لنا أن نتبع مسار الفصح في جميع تصرفاتنا، وفي جميع المجالات. هذا هو الطريق الوحيد الذي ينقذنا، وبالتالي يضعنا في حقيقتنا الإنسانية ببساطة. إن تقديم الخدمة للآخرين من أجل تمجيد أنفسنا هو كذب، وكذلك الصلاة والصوم. يدعونا الصوم إلى مراجعة دوافعنا المعتادة، ونوايانا العميقة.
ما الذي يجعلنا نركض في أعماقنا؟ ما الذي يجعلنا نتصرف؟ عن ماذا نبحث؟ إلى أين تذهب رغبتنا؟ ما أود أن أسلط الضوء عليه هو أنه من الصعب جدًا علينا الإجابة على هذه الأسئلة، لأن دوافعنا العميقة مخفية جدًا. نحن لا نعلم أين خطيئتنا؛ نحن لا نرى إلا السطح، ويمكن أن تختبئ تحت سلوكنا الذي يبدو جيدًا ولا تشوبه شائبة ويستحق الثناء وفقًا للقانون. يستطيع الإنسان أن يوزع كل ممتلكاته على الفقراء، وأن يسلم جسده إلى النار، ولا تكن فيه المحبة (1 قور 13، 3).
هل أتصرف لكي يراني الناس؟ لأطمئن نفسي؟ لا أعرف أي شيئاً عن هذا. وعدم المعرفة هذا يثبط عزيمتنا. ولكنني لم أقل إنه من المستحيل أن ندرك دوافعنا الحقيقية، بل قلت إنه من الصعب. ولهذا لدينا حليف: الكلمة التي «تميز»، «يَحكُمَ على خَواطِرِ القَلْبِ وأَفكارِه» (عب 4، 12). لا ينبغي لنا أن نحكم على أنفسنا «أَمَّا أَنا فأَقَلُّ ما علَيَّ أَن تَدينوني أَو تَدينَني مَحكَمةٌ بَشَرِيَّة، بل لا أَدينُ نَفْسي» (1 قور 4، 3) بل أن نسمح لأنفسنا بأن تعبرنا الكلمة التي تمر مثل الحكم.
لا ننتزع من الله ثمرة شجرة معرفة الخير والشر، حينئذٍ سيصل إلينا الحكم كهدية، وسنرى ذلك بوضوح داخل أنفسنا. ليس في الإحباط أو اليأس، بل في الفرح، لأن شفرة الكلمة تشفي في نفس الوقت الذي تحل فيه التشابكات. لن يفهم هذا إلا من خاض هذه التجربة. يتطلب الأمر الصلاة ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا علقنا حكمنا لكي نصغي. فلنحذر من أحكامنا كحذرنا من الطاعون، سواء كانت على الآخرين أو على أنفسنا. ما العمل الذي يتطلبه الأمر لكي نتصرف حتى نحظى برؤية الناس!
يدعونا يسوع إلى تحرير أنفسنا من هذا العبء. حقيقة أفعالنا تحررنا؛ تحرر رغبتنا لكي تعطيها نطاقًا غير محدود. لأن الله بلا حدود. حينها ينقلب كل شيء ويصبح «نورنا يضيء أمام الناس». والشرط بالتحديد هو ألا نسعى إليه. لكن النور لا يضيء نفسه. فكيف إذن يمكنه أن «ينير كل من في البيت»؟ الأعمال الصالحة الوحيدة هي تلك التي تتم «لمجد أبيكم الذي في السماوات» (متى 5: 15-16).