موعظة يوم الأحد 28 تشرين الثاني 2021. مزعظة الأحد الأول من زمن التهيئة للميلاد
إر 33، 14 – 16 1 تس،3، 12 – 4، 2 لو 21، 25 – 36
«وستظهر علامات في الشمس والقمر والنجوم، وينال الأمم كرب في الأرض وقلق من عجيج البحر وجيشانه، وتزهق نفوس الناس من الخوف ومن توقع ما ينزل بالعالم، لأن أجرام السماء تتزعزع، وحينئذ يرى الناس ابن الإنسان آتيا في الغمام في تمام العزة والجلال. وإذا أخذت تحدث هذه الأمور، فانتصبوا قائمين وارفعوا رؤوسكم لأن افتداءكم يقترب. وضرب لهم مثلا قال: انظروا إلى التينة وسائر الأشجار. فما إن تخرج براعمها حتى تعرفوا بأنفسكم من نظركم إليها أن الصيف قريب. وكذلك أنتم إذا رأيتم هذه الأمور تحدث، فاعلموا أن ملكوت الله قريب. الحق أقول لكم: لن يزول هذا الجيل حتى يحدث كل شيء. السماء والأرض تزولان وكلامي لن يزول. فاحذروا أن يثقل قلوبكم السكر والقصوف وهموم الحياة الدنيا، فيباغتكم ذلك اليوم كأنه الفخ، لأنه يطبق على جميع من يسكنون وجه الأرض كلها. فاسهروا مواظبين على الصلاة، لكي توجدوا أهلا للنجاة من جميع هذه الأمور التي ستحدث، وللثبات لدى ابن الإنسان.»
الموعظة
كتب البابا يوحنا الثالث والعشرين في الوقت الذي كان العالم على شفير حرب نووية. والبابا فرنسيس بدوره يقول بأن العالم اليوم هو على شفير كارثة بيئية ولذلك من الملح التصرف أو العمل. «ما يحدث في منزلنا» مظلم: تلوث وتغيير مناخي، مصادر مياه الشرب مهددة، فقدان التنوع البيولوجي، وباء الكورونا حيث يتم التحدث اليوم عن متحول جديد له «أوميكرون»، تراجع نوعية الحياة الإنسانية وتراجع اجتماعي...
فنحن نعيش اليوم أزمة معقدة اجتماعية ـــــ بيئية. هذا هو حالنا اليوم! أليس هذا الواقع قريب جداً لما سمعناه من إنجيل اليوم؟ ممّا يعني أن الإنجيل لا يتحدث عن نهاية العالم، إنما هو دعوة للرجاء في خضم ما نعيشه من أزمات وحروب ومجاعة، الخ. لذلك، أريد اليوم، بدلاً من أن نسمع نص الإنجيل بخوف من نهاية العالم القريبة، حيث البعض يبشرون بها ونحن نؤمن بأننا نرى علامات التحذير منها، في كل مكان في العالم، أريد أن نتوقف فقط، على نقطة النهاية، على دعوة المسيح لنا لننتصب قائمين ونرفع رؤوسنا بثقة ورجاء بأن افتدائنا قريب، وأن من ننتظره سيظهر قريباً، ابن الإنسان ورئيس السلام.
يقول المسيح في الإنجيل: «انتصبوا قائمين وارفعوا رؤوسكم لأن افتداءكم يقترب». قد يبدو هذا الكلام غريب، غير واقعي، لا بل نوع من التخدير. إذا كان إنجيل اليوم هو دعوة للرجاء. فهذا الرجاء، وهذا الضمان، يخلقون في حياتنا نوع من الصراع، دعوة للحرية تأتي من هذا المستقبل القريب جداً، والذي يتقدم للقائنا. أنتم تعرفون حدث لقاء النبي إيليا مع الله: «فقالَ الرَّبّ: اخرُجْ وقِفْ على الجَبَلَ أمامَ الرَّبّ. فإِذا الرَّبُّ عابِرٌ وريحٌ عَظيمةٌ وشَديدةٌ تُصَدِّغ الجِبالَ وتُحَطِّمُ الصُّخورَ أمامَ الرَّبّ. ولَم يَكُنِ الرَّبُّ في الرِّيح. وبَعدَ الرِّيحَ زِلْزالٌ، ولم يَكُنَ الرَّبُّ في الزِّلْزال. وبَعدَ الزِّلْزالِ نار، ولم يَكنِ الرَّب في النار. وبَعدَ النَّارِ صَوِت نَسيمٍ لَطيف» (1 مل 19، 11).
فالله ليس في الريح العظيمة والشديدة إنما في الهدوء الذي يتبع الريح. كل روايات الانهيار، والضياع التي يرويها لنا الكتاب المقدس، الطوفان، سدوم، أسوار أريحا، كلها روايات انتعاش وخلاص. طوفان بكامله لكي يجلب حمامة وقوس قزح، كل سدوم وعامورة لكي يبجلوا خروج لوط، كل أريحا للدخول في الأرض المقدسة. بالنسبة لنا هذا الهدوء الكبير، هو يسوع شخصياً الذي ينهض في المركبة، في وسط العاصفة قائلاً لتلاميذه: «مالكم خائفين؟».
وقبل دخوله الآلام يقول يسوع آخر كلماته للتلاميذ: لا تضطرب قلوبكم. والمزمور37 يقول: «اصمت أمام الرب وانتظره». فماذا تعني إذن صور الفوضى هذه، والكارثة الكونية والأمم المنهارة والأجرام المتزعزعة؟ إنها تعني أن كل شيء هش وقابل للتفتيت ما عدا الله. تقول بأن كل شيء مؤقت وكل شيء يعبر وأن وجه هذا العالم مدعو للاختفاء لمصلحة وجه آخر قيد الولادة، وأن قيامة المسيح قد دشنته: «فإِنَّنا نَعلَمُ أَنَّ الخَليقةَ جَمْعاءَ تَئِنُّ إِلى اليَومِ مِن آلامِ المَخاض» (رو 8، 22).
هذه الصور الرؤيوية تعني بأي موت وضعتنا الخطيئة وبأي موت علينا أن نعبر لكي يُفتح مجدداً طريق الله في حياتنا وحياة هذا العالم. هذه الصور تكون صور انقباض لو لم تكن تعلن سقوط قدرات الشر، التي يتكلم عنها بولس الرسول، وأن المسيح زعزعها مسبقاً وبشكل نهائي.
فالمسيح، مقابل هذا الانهيار الكامل الذي يسببه ظهور الله في عالم عدائي لا يزال خاضع للخطيئة، يحثنا على العكس، كالتلاميذ في الليلة الأخيرة، لنصمد ونقف ونسهر ونصلي، لكي نعبر معه من الظلمات إلى نور النهار. هذه المخاوف، الواقعية والوهمية التي نعيشها بشكل دوري، لها على الأقل الاستحقاق بأنها تلزمنا بأن نستيقظ ونخرج من سباتنا، ونخرج العالم من نومه، وألا نستمر بالعيش كالسابق، ونسعى لنعيش بالفعل، اليوم، كإنسان منتصب، إنسان الغد، غد الملكوت، غد الحياة الأبدية، حيث المسيح بقيامته قد أدخلنا مسبقاً ونؤمن بأنه قد أدخلنا نهائياً.
هنا تأتي دعوة يسوع لنا للصلاة: «فاسهروا مواظبين على الصلاة، لكي توجدوا أهلا للنجاة من جميع هذه الأمور التي ستحدث، وللثبات لدى ابن الإنسان». الصلاة هي أساس هذا الرجاء، بمعنى أنه في الصلاة ومن خلال الصلاة ندع الله يعمل فينا فنصبح أداة ولادة هذا العالم الجديد حيث كما يدعونا بولس اليوم «عَسى أَن يَزيدَ الرَّبُّ ويُنمِيَ مَحَبَّةَ بَعضِكم لِبَعْضٍ ولِجَميعِ النَّاسِ».
كم من المرات ننّهمّ بخصوص حوادث وأشياء ليس لنا من سلطة عليها! فبدلاً من المداومة على الصلاة وترك المسيح يضع السلام في قلوبنا نعيش في الهموم. كما هي حال مرتا في الإنجيل والتي يقول لها يسوع: «مرتا مرتا إنك مضطربة ومهتمة بأمور مثيرة مع أن الحاجة إلى أمر واحد» (لو 10، 41).
هذا الرجاء الذي يدعونا إليه المسيح في إنجيل اليوم لا يمكن أن يتحقق خارجاً عنا، عن حريتنا واختياراتنا. فليكن زمن التهيئة للميلاد زمن صلاة فيه ندع الله يسكن قلوبنا أكثر لنكون بالفعل أدوات ولادة هذا العالم الجديد المبني على السلام والمحبة.