الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 6 آذار 2022. مزعظة الأحد الأول من زمن الصوم

2022-Mar-06 | عظات | 148

تث 26، 4 – 10   رو 10، 8 – 13    لو 4، 1 – 13

 

«ورَجَعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البرِّيَّةِ أَربَعينَ يوماً، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئاً في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا انقَضَت أَحَسَّ بِالجوع. فقالَ له إِبليس: «إِن كُنتَ ابنَ الله، فَمُر هذا الحَجَرَ أَن يَصيرَ رَغيفاً». فأَجابَه يسوع: «مَكتوبٌ: لَيَس بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان». فصَعِدَ بِهِ إِبليس، وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الأَرضِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَن، وقالَ له: «أُوليكَ هذا السُّلطانَ كُلَّه ومَجدَ هذهِ الـمَمالِك، لِأَنَّه سُلِّمَ إِليَّ وأَنا أُولِيه مَن أَشاء. فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذلكَ كُلُّه». فَأَجابَه يسوع: «مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد، وإِيَّاه وَحدَه تَعبُد». فمَضى بِه إِلى أُورَشَليم، وأَقامَه على شُرفَةِ الـهَيكلِ وقالَ له: «إِن كُنتَ ابنَ الله، فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إِلى الأَسفَل، لِأَنَّهُ مَكتوبٌ: يُوصي مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ». ومكتوبٌ أَيضاً: «على أَيديهِم يَحمِلونَكَ لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجَرِ رِجلَكَ».  فأَجابَه يسوع: «لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلـهَكَ».  فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جمَيعَ مَا عِندَه مِن تَجرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إِلى أَن يَحينَ الوَقْت».

الموعظة

 

لا شك أن تجربة يسوع في البرية هي نموذج للتجارب التي واجهها طوال حياته. تأتي التجربة بعد العماد، حيث تم الاعتراف بيسوع ابن لله «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت». بصفته ابن الله تمت تجربة يسوع: «إن كنت ابن الله ...». والإنجيل يشدد على إثبات الصلة بقوة بين يسوع الابن والتجارب التي يتعرض لها. والقول بأن الروح القدس هو الذي قاده إلى البرية يدعم هذه الصلة.

تجارب يسوع في البرية تشكل تعبير عن التجربة الحقيقية التي يواجهها: أن يستغل لقب ابن الله لكي يتصرف وفقا لذلك. ولكن، إظهار بنوته الإلهية من خلال المعجزات يعود للخضوع للتجربة الأساسية: «أن يصبح مثل الآلهة». والأمر الذي وجهه يسوع إلى الشيطان يشير بلا شك إلى جوابه لبطرس: انسحب ورائي، يا شيطان. ماذا يعني ذلك؟

بعد بحث طويل نجح التلاميذ بالاعتراف بهوية يسوع. وبطرس يعلن باسمهم: أنت المسيح. إلا أن اعلان بطرس لا يزال جزئي. قائد المئة اعترف ببنوة يسوع، بعد موته على الصليب. وفور اعتراف تلاميذه بمسيحانيته، يعلن لهم يسوع لأول مرة آلامه وموته.

باعترافهم بيسوع على أنه المسيح، لا يمكن للتلاميذ إلاَّ أن يتخيلوا المسيح الذي ستُمارس ملكيته من الآن فصاعدًا وقبل كل شيء على المستوى السياسي. فإذا كان رد فعل يسوع على توبيخ بطرس قويًا جدًا، فذلك لأن التلميذ جعل من نفسه مجربًا له: «انسحب ورائي، يا شيطان، فأن أفكارك ليست أفكار الله بل أفكار البشر». والتجربة، التي حرّضها بطرس، تركز قبل كل شيء على طريقة ممارسة يسوع لرسالته التي تكشف عن هويته باعتباره ابن الله وبالتالي هوية الآب. بالنسبة ليسوع، رفض الصليب يعني الدخول في وجهات النظر الإنسانية للغاية وبالتالي المشوهة عن الله.

 بالمقابل، قبول الصليب كحدث للخلاص يرقى إلى احباط الأمل المسيحاني لليهود والانتظار الديني للوثنيين: فالصليب لا يثير سوى عدم الفهم. ومع ذلك، الصليب هو المكان بامتياز حيث يكشف الله عن هويته. إنجيل اليوم يقول بأن الشيطان «انصرف عنه إلى أن يحين الوقت»، أي حتى الآلام.

فالتجارب لا تتوضح إلا من خلال الآلام، لأنه بالآلام تتم التجربة النهائية: «خَلَّصَ غَيرَه فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَه، إِن كانَ مَسيحَ اللهِ المُختار!». تكمن هذه التجربة في أن يعمل يسوع انطلاقاً من ذاته ورفض كل اعتماد على الآب. بينما الكلمة الأخيرة ليسوع على الصليب هي التي تشهد على أنه خرج منتصرًا على التجربة الأخيرة: «يا أبتاه، في يديك أستودع روحي».

«وأخرجه الروح عندئذ إلى البرية». للصحراء هنا وفي العهد القديم، معنى متعدد: فهي مكان للتجربة ولكنها أيضًا مكان اللقاء مع الله. وانتصار يسوع على التجارب التي استسلم لها شعب العهد القديم، يُظهر بأنه الشخص الذي يتمم الكتاب المقدس، ويكشف عن أعمق معانيه.

واستناد يسوع على استشهادات من العهد القديم، يكشف الطريقة الخاطئة التي يستخدمها الشيطان: من خلال اقتباس آية من المزمور خارج سياقها، يضع الكتاب المقدس في خدمته وفي الوقت نفسه يفسده. أوريجانوس، أحد آباء الكنيسة، يقول: «أيها الشيطان (...)، لقد قرأت الكتب المقدسة لا لتصبح أفضل، ولكن لتقتل بالحرف أولئك الذين هم أصدقاء الحرف».

مصطلح التجربة باللغة اليونانية يعني «التجربة» و «الامتحان»، أي كل امتحان هو بطريقة ما فرصة للتجربة. ونرى في الإنجيل أن كل امتحان من قبل الفريسيين أو غيرهم كان ليسوع لحظة تجربة. بالمقابل يقول بولس الرسول «لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة». فالتجربة إذن ليست خطيئة.

يسوع يجسد هذا الاختلاف بين الواقعين: من هو بلا خطيئة فقد عرف التجربة. واليوم الكثير من الشعور بالذنب ينشأ في قلوب الناس بسبب عدم التمييز بين المصطلحين. لقد واجه يسوع الجوع والكبرياء والرغبة في القوة والمباشرية. لكنه في صميم التجربة استطاع أن يختبر بأن الصحراء هي أحيانًا البيئة الوحيدة الممكنة، وأن الجوع والوحدة يؤديان أحيانًا إلى تطهير المحن.

هذه هي التجربة التي عاشها ابن الله في أعماق بشريته. فرواية التجارب تبين لنا بأن انتصار يسوع على التجربة يستبق انتصار المسيحيين الذين يواجهون التجربة أيضًا. يقول أوريجانوس مرة أخرى: «إذا جُرّب يسوع، فلكي نحن أيضًا نستطيع أن نتغلب عليها بانتصاره». هكذا علَّم يسوع تلاميذه أن يتوجهوا للآب: «لا تُدخلنا في التجربة».

SHARE