موعظة يوم الأحد 10 نيسان 2022.موعظة أحد لشعانين
أش 50، 4 – 7 فيل 2، 6 – 11 لو 19، 28 – 40
قالَ هذا ثُمَّ تَقَدَّمَ صاعِداً إِلى أُورَشَليم. ولمَّا قَرُبَ مِن بَيتَ فاجي وبَيتَ عَنْيا عِندَ الجَبلِ الَّذي يُقالُ لهُ جَبَلُ الزَّيتون، أَرسَلَ اثْنَينِ مِن تَلاميذِه، وقالَ لَهما: اِذهَبا إِلى القَريةِ الَّتي تِجاهَكُما، تَجِدا عِندَما تَدخُلانِها جَحشاً مَربوطاً ما رَكِبَه أَحَدٌ قَطّ، فَحُلاَّ رِباطَه وأْتِيا بِه. فإِن سأَلَكما سائِل: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَه؟ فقولا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه . فذَهَبَ المُرْسَلانِ فَوَجَدا كما قالَ لَهما وبَينَما هُما يَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش، قالَ لَهما أَصحابُه: لِمَ تَحُلاَّنِ رِباطَ الجَحْش؟ فقالا: لأَنَّ الرَّبَّ مُحتاجٌ إِليه. فجاءَا بِالجَحْشِ إِلى يسوع، ووضَعا رِدائَيْهما علَيه وأَركَبا يسوع . فَسارَ والنَّاسُ يَبسُطونَ أَردِيَتَهم على الطَّريق ولمَّا قَرُبَ مِن مُنحَدَرِ جَبَلِ الزَّيتون، أَخذَ جَماعَةُ التَّلاميذِ كُلُّها، وقدِ استَولى عَليهِمِ الفَرَح، يُسَبِّحونَ اللهَ بِأعلى أَصواتِهِم على جَميعِ ما شاهَدوا مِنَ المعجِزات، فكانوا يَقولون: تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ! السَّلامُ في السَّماء! والمَجدُ في العُلى! فقالَ له بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ مِنَ الجَمْع: يا مُعَلِّمُ انتَهِرْ تَلاميذَكَ! فأجابَ: أقولُ لَكم: لو سَكَتَ هؤلاء، لَهَتَفَتِ الحِجارَة!
الموعظة
هذا الأحد، الذي يُدعى أحد الشعانين وآلام الرب، ندخل في أسبوع الآلام، حيث تدعونا الكنيسة لنعيش من جديد سر آلام المسيح وموته وقيامته. إنه أسبوع مقدس ومأساوي معاً، لكن يخرج يسوع منتصرًا: قام من بين الأموات. الحب ينتصر، وهذا الانتصار ليس «على الرغم» من الصليب إنما «من خلال» أو بفضل الصليب.
«فما يجعلنا نؤمن، هو الصليب، ولكن ما نؤمن به هو انتصار الصليب، انتصار الحياة». نكرم الصليب لأنه علامة مصالحة وعلامة حب أقوى من الموت: إنه علامة لا لبس فيها على أن الله حب. وبعطائه لذاته كلية، ومع الصليب، انتصر نهائياً على الخطيئة والموت. كلنا تعلمون، كل إنجيلي يكتب إنجيله وفقًا لوجهة نظره اللاهوتية ولتعليمه المسيحي. دعونا نرى كيف يقدم كل إنجيلي هذه الآلام.
في إنجيل مرقس، يسوع هو العبد المتألم الذي يموت من أجل الجميع، لقد تم التخلي عنه «إلهي، إلهي لماذا تركتني». ولكن، تخلي الآب يصبح فورًا تخلي إلى الآب «بين يديك أستودع روحي»، وهذا التخلي الكامل يسمح بالمصالحة الشاملة، منذ اللحظة التي أُخذ اللص الصالح «إلى بيته»، إلى الفردوس؛ ومن يوحنا، الذي أُعطيت له أم «هذه أمك»، إلى الأم التي أُعطي لها ابن جديد «هذا ابنك».
يتم ذلك بفضل تسليم يسوع لروحه إلى الآب في بادرة تخلي كامل وثقة محبة. بهذه الطريقة، كما وعد، من أعلى الصليب يجذب الجميع إليه وإلى أبيه. في إنجيل متى، التلميذ والإنجيلي يجيبان بشكل أساسي على السؤال: «من المذنب بموت يسوع؟». والجواب: الجميع يساهم في موت يسوع، بشكل مباشر أو غير مباشر؛ بالتصرف وعدم التصرف.
لكن هناك مقطع من الآلام رواه الإنجيلي متى وأعتقد أنه من المهم جدًا تسليط الضوء عليه، حيث نرى سلسلة من التعابير التي تخص هذا الإنجيلي فقط: «وإِذا حِجابُ المَقدِسِ قَدِ انشَقَّ شَطْرَيْن ـــــ نرى ذلك أيضاً لدى مرقس، لكن مصطلحات متى الخاصة تأتي مباشرة ــــ من الأعلى إلى الأسفل؛ وزُلزِلت الأرض وتصدعت الصخور.
وتَفَتَّحَتِ القُبور، فقامَ كثيرٌ مِن أَجسادِ القِدِّيسينَ الرَّاقِدين، وخرَجوا مِنَ القُبورِ بعدَ قِيامتِه، فدَخَلوا المدينةَ المُقَدَّسة وتَراءَوا لأُناسٍ كثيرين». بهذا الوصف الدقيق يريد متى أن يقول إنه بفضل موت يسوع، يتم سحق هيمنة وقوة الموت. بالنسبة له، موت يسوع هو قبل كل شيء البشرى السارة، بأن قوة الخطيئة والموت، التي حتى هذه اللحظة، هي قوة مدمرة وشاملة، قد تم التغلب عليها.
لذلك يمكننا أن نعيش قصة مختلفة، قصة خلاص. هذه الإمكانية تُعطى لنا اليوم. لكن المهم أن نبقى بجانب يسوع، ساهرين معه، مصلين للآب معه. بهذه الطريقة نكمل الخروج، نكمل الطريق ودليلنا هو المسيح، موسى الجديد والحقيقي، الذي يقودنا إلى الحياة الأبدية. بالنسبة للإنجيلي يوحنا، يسوع هو الرجل الواعي الذي يذهب طوعاً ليقابل مصيره. حتى لو تم إعدامه فهو الملك الحقيقي. إنه صاحب سيادة على نفسه ويطلق تحدي: «أبذل نفسي لأنالها ثانية. ما من أحد ينتزعها مني». بنظر الإنجيلي يوحنا، الصليب بالنسبة ليسوع هو ارتفاع «وانا متى رُفعت أجذب إليَّ جميع الناس». لم يكن حكم الإعدام بالصلب صدفة، أو أمر مفاجئ.
المسيح نفسه أراد أن يقدم حياته بهذه الطريقة، ليشارك في حالة الناس الأكثر حرمانًا واحتقارًا وتعاسة: العبيد، الذين لا يعتبرون بشرًا. يؤدي المسيح عمل الخلاص لا كضحية مستسلمة وعاجزة، إنما بصفته شخصًا يعرف معنى الأحداث ويقبلها بحرية. هذه هي ذروة الحب ونموذج كل حب حقيقي: هبة الذات الكاملة. إنجيل هذه السنة هو بحسب لوقا. فماذا يقول لنا؟
يُظهر القديس لوقا أن يسوع، قبل كل شيء، هو الشخص الذي يغفر للجميع ويرحم الجميع. يقدم لنا لوقا مختلف الشخصيات بطريقة رحيمة: بقي التلاميذ أمناء ليسوع في التجارب «أنتم الذين ثبتوا معي في محني». في جثسماني ينامون مرة واحدة فقط وليس ثلاث مرات وهذا النوم هو حزن: «فوجدهم نائمين من الحزن». الأعداء لا يقدمون شهود زور كما في الأناجيل الأخرى.
حاول بيلاطس إطلاق سراحه ثلاث مرات لأنه بريء. ويعاني الناس مما يحدث «تبعه جميع كثير من الشعب ومن نساء كنَّ يضرين الصدور، وينُحن عليه». وحتى أحد اللصوص المجاورين للمسيح هو صالح. في رواية لوقا، يهتم يسوع بالجميع: يشفي أذن الخادم أثناء القبض عليه.
ويقلق بشأن مصير النساء أثناء صعوده إلى الجلجلة، «يا بنات أورشليم، لا تبكين عليَّ، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن». ويغفر لمن جلده ووضعه على الصليب «يا أبتي، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون». ويعد بالجنة للص التائب «ستكون اليوم معي في الفردوس». فالمخلص في إنجيل لوقا هو الشخص الذي يفهم أعداءه.
إنهم يتصرفون بهذه الطريقة لأنهم يعيشون في السواد والظلام، وإلا فلن يتمكنوا من التصرف بهذه الطريقة الإجرامية. بنظرة الرحمة هذه، يصلي المسيح على الصليب: «يا أبتي، اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ما يفعلون». ورغبة في إبراز الرحمة الإلهية، يروي لوقا آلام المسيح كقصة اهتداء. إنها اهتداء الله، الذي يلتفت إلى بطرس وينظر إليه، ثم يشعر بطرس بأنه قد اخترق بنظرة مغفرة، وبفضلها يتذكر ويبكي.
تُظهر دموع الألم هذه اهتداء أول الرسل. ونحن إذا تركنا المسيح ينظر إلينا، كما فعل بطرس، سيكون الصليب الذي نتأمله مصدر اهتداء وحياة جديدة، مُعطاة لنا بالرحمة. ولكن منذ بداية إنجيل لوقا يمكننا أن نرى الرحمة وهي تعمل. في يسوع المسيح تمتد رحمة الله من جيل إلى جيل إلى كل الذين يتقونه، تقول مريم. بزيارته لمريم تذكر الله رحمته كما وعد.
وفي مريم، أقامت الرحمة خيمتها المسيحانية، استجابة لتوقعات جميع الفقراء. في نهاية إنجيل لوقا، نتأمل مرة أخرى في عمل الرحمة ويتحول كل شيء إلى معجزة. تعاد أذن الخادم، ويبكي بطرس على خيانته، ويعترف بيلاطس البنطي، بيسوع أنه «بار»، وتتم مواساة النساء، ويُغفر للص المعلق على الصليب وتعود الجموع إلى منزلها وهي تقرع الصدور.