موعظة يوم الأحد 19 حزيران 2022. موعظة أحد جسد ودم المسيح
تك 14، 18 – 20 1 قور 11، 23- 26 لو 9، 11- 17
الإفخارستيا هي قبل كل شيء ذكرى. في اللغة اليونانية نقول αναμνεσε أي رواية. الرواية كما سمعناها من رسالة بولس اليوم والتي تشكل مركز الإفخارستيا: «فإني تسلمت من الربّ ما سلّمته إليكم، وهو أنّ الربّ في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزاً وشكر وقال: هذا هو جسدي، إنه من أجلكم، اعملوا هذا لذكري. وصنع مثل ذلك على الكأس بعد العشاء وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلّما شربتم فاعملوه لذكري».
ولكن، بالإضافة إلى الكلمات، هناك الخبز والخمر، الذين يذكروننا بما أعطاه يسوع طعاماً وشراباً في ليلة آلامه. موضوع الأكل والشرب يملأ صفحات الكتاب المقدس بعهديه. فالخبز يعبر عن علاقتنا بالطبيعة، هذه العلاقة هي مصدر حياة: نحن نأكل من الطبيعة، وفي نفس الوقت الخبز يعبر عن سيطرتنا على هذه الطبيعة التي دُعينا للسيطرة عليها،
كذلك الأمر بالنسبة للخمر، ولكنه يضيف إلى ذلك فرح العيد. لكن الخبز قد يصبح قاسياً، والنبيذ قد يعني كأس الألم التي يجب شربها حتى النهاية. فالخبز والخمر يعبران أيضاً عن العلاقات الاجتماعية: علاقات قاتلة عندما يتقاتل البشر من أجل الخبز أو عندما يحرر النبيذ شغف القتل؛ كما يعبر أيضاً عن علاقات حب عندما يجتمع الناس للمشاركة وفرح العرس.
فالخبز والخمر عندما نأتي بهما إلى مائدة الإفخارستيا، فهم مُثقلين بالمعاني الحياتية، وسوف يعبرون من خلال تغيير رمزي يجعلهما تعبيراً عن عطاء لحب أعظم. فالكلمات التي نلفظها على الخبز والخمر، هذه الكلمات التي أتتنا من يسوع نفسه، سوف تغيّر معنى هذه الأغذية. ولكن لا يكفي التأمل فيها والاندهاش بمعناها الجديد: علينا أن نأكل ونشرب منها «المناولة».
ويسوع يقول في إنجيل يوحنا، من يأكل يحيا، ومن لا يأكل يموت. هذا يعني أن الأكل والشرب هنا يتجاوزان ومن بعيد الطقس الإفخارستي: علينا أن نأخذ على عاتقنا ما يحدث في الإفخارستيا، عطاء الحياة، عطاء يمكن أن يتم من قبل أُناس غير مسيحيين. لقد اعتدنا أن نقول بأن الخبز والخمر يصبحان جسد ودم المسيح.
لكنَّ العكس صحيح أيضاً: المسيح يصبح خبزنا وخمرنا، غذاء حقيقي ومشرب حقيقي: «لأن جسدي طعام حقّ، ودمي شراب حقّ» (يو 6، 55). خبز أكثر من خبز موائدنا. والسؤال كيف يمكننا أن نُعطي ذاتنا غذاءً للآخرين؟ الجواب يرتبط بالظروف وبنداءات الروح القدس، لكن هناك أمر أكيد: لا ننقذ، لا نخلص إلاَّ ما نعطيه، وما نحتفظ به يموت.
عطاء من وقتنا، من قوتنا، من خيراتنا، الخ. ولكن علينا ألا ننسى بأن خطوتنا الأولى، الخطوة المؤسسة، ليست عطاء ذاتنا غذاء للآخرين، مهما كان المعنى الذي نعطيه لهذا العطاء، إنما أن نترك ذاتنا تتغذى من حياة آخر، من حياة المسيح. آدم أكل من الثمرة الممنوعة ومات بسببها، من الآن فصاعداً نحن نأكل من شجرة الصليب ونحيا منها. في سفر الخروج 16 نرى الجماعة مهددة بالموت جوعاً. فأعطاهم الله المنّ.
هذا المنّ، بحسب إنجيل يوحنا، ما هو سوى صورة عن الخبز الحقيقي «المسيح ذاته». المنّ، خبز لا يدوم، بمعنى أنه لا يمضي عليه الليل إلاَّ ويعفّن، لهذا السبب يطلب منهم الله عدم الاحتفاظ به. هذا المنّ، سيحل محله الخبز الذي لا يفسد. خبز يعبر الليل دون فساد، يعبر ليل الصليب، ليل الموت.
مسبقاً إنجيل اليوم، في حدث تكثير الخبز يعلن هذا الخبز الذي يبقى بما أنه، على عكس المنّ، جمعوا واحتفظوا بما بقي منه. إحدى الجوانب المهمة في هذه الرواية هو التركيز على العدد الرمزي: 5 آلاف. لماذا هذا التركيز؟ لماذا التركيز في سفر الخروج على المجاعة الجماعية؟
لأن هدف الإفخارستيا هو ولادة الجسد الجديد للمسيح: نحن واحد لأن المسيح يسكن فينا ونتغذى منه. القديس أغسطينس يتحدث عن 3 مستويات للإفخارستيا: في البداية هناك الرمز وحده، أي الخبز والخمر التي نأتي بهما إلى الهيكل. ثم تلتحق العلامة بالمعنى: يُعطى لها معنى جديد. أخيراً تبقى «المادة» وحدها، الواقع الذي ولد من هذا السر:
جسد المسيح الذي هو الكنيسة، الشعب المجتمع والموّحد في الحب، هذا الحب الذي قاد يسوع لعطاء حياته ويقودنا لعطاء ذاتنا.