موعظة يوم الأحد 31 تموز. موعظة الأحد الثامن عشر من الزمن العادي
جا 1، 2؛ 2، 21 – 23 كول 3، 1 – 11 لو 12، 13 – 21
في ذَلكَ الزَّمَان: قالَ لِيَسوع َ رجُلٌ مِنَ الجَمْع: «يا مُعَلِّم، مُرْ أَخي بِأَن يُقاسِمَني الميراث». فقالَ لهَ: «يا رَجُل، مَن أَقامَني علَيكُم قاضِيًا أَو قَسَّامًا؟» ثُمّ قالَ لَهم: «تَبصَّروا واحذَروا كُلَّ طَمَع، لأَنَّ حَياةَ المَرءِ، وإِنِ اغْتَنى، لا تَأتيه مِن أًموالهِ». ثُمَّ ضَرَبَ لَهم مَثَلاً قال: «رَجُلٌ غَنِيٌّ أَخصَبَت أَرضُه، فقالَ في نَفسِه: ماذا أَعمَل؟ فلَيسَ عندي مَوضعٌ أَخزُنُ فيه غِلالي. ثُمَّ قال: أَعمَلُ هذا: أَهدِمُ أَهرائي وأَبْني أَكبرَ مِنها، فأَخزُنُ فيها جَميعَ قَمْحي وأَرْزاقي. وأَقولُ لِنَفْسي: يا نَفْسِ، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فَاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي. فقالَ لَه الله: يا غَبِيّ، في هذِهِ اللَّيلَةِ تُستَرَدُّ نَفْسُكَ مِنكَ، فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟ فهكذا يَكونُ مصيرُ مَن يَكنِزُ لِنَفْسِهِ ولا يَغتَني عِندَ الله»
الموعظة
نص إنجيل اليوم هو جزء من خطاب يسوع حول الثقة في الله التي تُبعد كل خوف «أَما يُباعُ خَمسَةُ عَصافيرَ بِفَلسَيْن، ومَعَ ذلكَ فما مِنها واحِدٌ يَنساهُ الله. فلا تخافوا، فإنكم أثمن من العصافير جميعاً» (12، 6-7)، وفيض العناية الإلهية «اطلُبوا مَلَكوتَه تُزادوا ذلك» (12، 22 - 32).
هذا النص يدمج تمامًا القراءة الأولى التي سمعناها من سفر الجامعة، والذي يقول بأن كل شيء بشري ودنيوي هوٍ باطل، أي الوجود البشري والخيرات المادية تبقى هشة، غير مستقرة. لا يحتقر يسوع خيرات الأرض، ولا يعترض على الأفراح الأرضية القصيرة. لا يريد أن يفصلنا عن هذه الحياة. لكنه يقول لنا بأن هذه الحياة هي طريق إلى السعادة لا يمكن بلوغ ملئه إلا بالمسيح وفي المسيح.
يعلمنا أيضاً أن من يعيش فقط من أجل الجسد، لا يعيش، أو، إذا كان حيًا، تكون حياته هبة ريح، باطلة، لأن الذي يُجمّع لنفسه فقط، يبعثر، «مَن لم يَجمَعْ مَعي كانَ مُبَدِّداً» (لو 11، 23). «الرجل الذي يُجمّع لذاته» يُطفئ حياته بنفسه ويستبدل الرغبة في اللانهاية بعدد لا نهائي من الأشياء الباطلة.
لذلك فإن السؤال الصحيح هو كيف نغني أنفسنا عند الله؟ دون شك، من خلال العطاء. أمام الله، نحن أغنياء فقط بما قدمناه. القديس يوحنا الصليب يقول: «في نهاية الحياة سوف نُدان على الحب». حب مُستقبل، مُعطى ومُشارك. الإنسان يعيش من الحياة المعطاة، من الحياة التي يتم استقبالها ونقلها للآخرين. عندما نتوقف عن نقل الحياة من حولنا، فإن الحياة تذبل بداخلنا. كما أن الإنسان يعيش أيضًا من اللذة السعيدة للخبز اليومي، ولكن من خبز يكون خبزنا، نطلبه ونعطيه، والذي يجعلنا نعتمد يوميًا على الله، على أبانا، الراعي والرحيم.
إن عبارة يسوع: «تَبصَّروا واحذَروا كُلَّ طَمَع، لأَنَّ حَياةَ المَرءِ، وإِنِ اغْتَنى، لا تَأتيه مِن أًموالهِ» تعبر عن جوهر مثل اليوم الذي يتحدث عن الغني الذي يرضى بامتلاكه لأشياء كثيرة ويفكر في امتلاك حياة طويلة. لذلك، يعلمنا كم هو غباء وعبث أن نضع ثقتنا في ممتلكاتنا. إنه لمن الحماقة الاعتقاد بأن الخلاص والحياة تكمن في امتلاك الأكثر.
ليست الملكية هي المحكوم عليها إنما الوهم بإيجاد الأمان في الخيرات التي نمتلكها. ولكن، ماذا يعني مفهوم «الباطل» الذي يجد التعبير الأكثر حدة عنه في سفر الجامعة: «باطل الأباطيل، وكل شيء باطل». سفر الجامعة يعبِّر عن رجل محبط وموجود في عمق كل الخبرات الإنسانية: كل الأشياء التي يبحث عنها الإنسان ويحققها لا تفي بوعودها: فهي في الأساس لا محتوى لها.
يحدد سفر الجامعة ثلاثة أمور باطلة: الجهد العقيم للإنسان؛ هشاشة الأهداف المحققة؛ والكثير من الشذوذ والظلم التي تملأ الحياة. لكن مَثَل يسوع لا يقتصر على ملاحظة ما هو باطل ولا يريد ببساطة أن يُحبط الإنسان بتحريره من سحر الملكية. إنه يشير بشكل أعمق إلى المسيرة الحقيقية للتحرر: «هكذا يَكونُ مصيرُ مَن يَكنِزُ لِنَفْسِهِ ولا يَغتَني عِندَ الله».
إذن، من أجل «الذات» هي التي لا تصح ويجب استبدالها بالتوجه إلى الغنى «عند الله». يتضمن هذا التوجه ثلاثة أشياء ملموسة: الأول أن الغنى عند الله يعني عدم الوقوع في تجربة الضيق، والقلق وكأن كل شيء يعتمد علينا وعلينا فقط. والثاني هو أن الغنى عند الله بطريقة إنجيلية يعني إخضاع كل ما نحن عليه وما لدينا ــــ العمل والممتلكات والعواطف والحياة نفسها ــــ لله ولحبه.
ثالثًا، أن الغنى عند الله يعني ــــ كما قلت ــــ العطاء، وخاصة «إعطاء الصدقات»، وبالتالي ممارسة الرحمة. هذا يتضمن عيش الحياة كـ «صدقة» أي كرحمة وعطاء الذات، في تقاسم الخيرات والخير: «اجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد» (لوقا 12، 33). إن الغنى عند الله يأخذ شكلاً ملموسًا في العيش من أجل الآخرين.
الغنى عند الله يزداد في المشاركة. على العكس من ذلك، الغنى للذات يغرقنا فيما هو باطل، ويتركنا بقبضة من الغبار. إذا كان هناك شيء يمكننا حمله معنا دائمًا وبالتالي ما بعد الموت أيضًا، فهو الخير الذي فعلناه وتقاسمناه وليس الخيرات المتراكمة، التي لكونها أرضية تبقى على الأرض. هذا لا يعني أننا نحن المسيحيين نحتقر الأشياء المخلوقة.
على العكس من ذلك، عندما نتوقف عن الرغبة في امتلاك أو استهلاك المخلوقات، فإنها تحظى بتقدير حقيقي. عندما نستخدم الخيرات من أجل الخير، تكون حياتنا سعيدة بالفعل على الأرض. فما خلقه الله، لم يعطه لنا حتى نجمعه، بل لنستخدمه في طريق مصيرنا الأبدي.
«علمنا، يا رب، أن نستخدم خيرات الأرض بحكمة، ونوجهها دائمًا نحو الخيرات الأبدية».