الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 11 كانون الأول 2022. موعظة الأحد الثالث من زمن المجيء

2022-Dec-11 | عظات | 243

أش 35، 1- 10   يع 5، 7 -10   متى 11، 1 – 11  

 

«وسَمِعَ يُوحَنَّا وهو في السِّجنِ بِأَعمالِ المسيح، فأَرسَلَ تَلاميذَه يَسأَلُه بِلِسانِهم: «أَأَنتَ الآتي، أَم آخَرَ نَنتَظِر؟» فأَجابَهم يسوع: «اِذهبوا فَأَخبِروا يُوحنَّا بِما تَسمَعونَ وتَرَون: العُميانُ يُبصِرون والعُرْجُ يَمشونَ مَشْيًا سَوِيًّا، البُرصُ يَبرَأُون والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومون والفُقراءُ يُبَشَّرون، وطوبى لِمَن لا أَكونُ لَه حَجَرَ عَثْرَة». فلَمَّا انصرَفوا، أَخذَ يسوعُ يقولُ لِلجُموعِ في شَأنِ يُوحنَّا: «ماذا خَرَجتُم إِلى البَرِّيَّةِ تَنظُرون؟ أَقَصَبةً تَهُزُّها الرِّيح؟ بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَرَجُلاً يَلبَسُ الثِّيابَ النَّاعِمَة؟ ها إِنَّ الَّذينَ يلبَسونَ الثِّيابَ النَّاعِمَةَ هُم في قُصورِ المُلوك. بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَنَبِيًّا؟ أَقولُ لَكم: نَعَم، بل أَفضَلُ مِن نَبِيّ. فهذا الَّذي كُتِبَ في شَأنِه: «هاءَنَذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ». الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان، ولكنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه.»

الموعظة

موضوع انتقام الله، الحكم، الذي تحدث عنه سفر أشعيا ورسالة يعقوب. موجود بكثرة في الكتاب المقدس. إنه يجيب على غيظنا أو نقمتنا على الأشرار والقسوة المتكررة للبشر، يجيب على رغبتنا بأن تتم العدالة. والمفاجأة هي أنه عندما يتكلم النبي أشعيا عن انتقام الله، فهو لا يتكلم إلاَّ عن الخلاص. هذا الخلاص يُرمز له من خلال شفاء عيوب البشرية. في نص الإنجيل يسوع يكرر، إلى حد ما، كلمة بكلمة نبوءة أشعيا: العمي يبصرون والعرج يمشون الخ.

هذا يعني أنه إن انتقم الله، إن أراد أن يأخذ بالثأر، فهذا يعني أن له عدو. هذا العدو هو كل ما يسيء للإنسان؛ كل ما يعاكس مخططه، مخطط الحب، وبالتالي يعاكسه شخصياً بما أنه الحب. فالله ليس ضد إي إنسان، إنه من أجل كل إنسان «أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم، لتصيروا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنه يطلع شمسه على الأشرار والأخيار، وينزل المطر على الأبرار والفجار» (متى 5، 44 - 45).

رسالة يعقوب تقول لنا بأن الحكم على الآخرين، أن نشير على أحد بأنه شرير أو سيئ، هذا التصرف يعتبر شاذ. فهذا يعني أن نقصي الله ونأخذ مكانه. فعندما يقدم الله ذاته من خلال المسيح، فهو لم يأتي ليحكم، بل ليخلص «إن الله أحبّ العالم حتى أنه أرسل ابنه لا يدين العالم بل ليُخلّص به العالم» (يو 3، 17). ومن جهة أخرى يقول لنا الكتاب المقدس بأن ما من إنسان إلا ويُخطئ «إذا قلنا: إننا بلا خطيئة ضللنا أنفسنا ولم يكن الحق فينا» (1 يو 1، 8).

فنحن لا نرى أنفسنا كما نحن، على حقيقتنا ونحكم على أنفسنا لكي نبرئها. المسيح وحده يستطيع أن يحكم بما أنه بدون خطيئة وبالتالي لا يخضع للحكم. فهو وحده يستطيع أن يرمي أول حجر، والإنجيل يقول لنا بأنه لم يرمها مطلقاً «وأنا أيضاً لا أحكم عليكِ»، يقول للمرأة الزانية. إن أردنا أن نكون على صورة الله، أن نكون شبيهين به، أبناء له، علينا أن نفرح ونبتهج بأن الإنسان السيئ مًستقبل، معافى، وقد أعيد له اعتباره.

بسهولة نرى أن يوحنا المعمدان هو من الماضي، بما أنه سبق المسيح: لقد أعدّ الطريق بدعوته للناس إلى التوبة والاهتداء للآتي. فالمسيح قد أتى ونبوءات الأنبياء قد انتهت بما أنها قد تمت. ولكن إذا كان مجيء المسيح مستمر، وإذا كنّا ننتظر مجيئه، فهذا يعني أن دور المعمدان هو دائماً آني. إنه يعبر كلية في شعب الله، في مجموعة التلاميذ.

رسالة المعمدان كانت تهدف للتوبة والاهتداء، أي أن يتوجه البشر باتجاه المسيح. والمسيح يقول لتلاميذه «اذهبوا وبشروا كل الأمم». فيوحنا المعمدان، بطريقة ما، هو نحن، وعلينا بالتالي أن نشير إلى المسيح الواقف على أبوابنا. الإنجيلي يوجه للجماعة المسيحية، وبالتالي لنا، هذا السؤال: هل ننتظره فعلاً، لكي يأخذ مكاناً في حياتنا، أم أن انتظاراتنا مختلفة، موجهة باتجاه وجوه أخرى أو باتجاه وقائع أرضية؟

يوحنا المعمدان نفسه فقد الصبر، بدأ فيه أو احتله الشك. وبدورنا، علينا عدم التردد بالاعتراف بوجود عدم الصبر هذا وعدم الرضى أمام عدم تحقيق ملكوت الله بالشكل التام. على مثال المعمدان علينا أن لا ننغلق في تردداتنا، وأن نعرف كيف نتساءل. كعلامة لهويته يتحدث يسوع عن ثمار رسالته وهي في بدايتها: العمي يبصرون والعرج يمشون... هذا يرسلنا إلى خبرتنا الشخصية، وإلى ما يمكننا قراءته من خبرة الآخرين.

هل سبق لنا واعترفنا بمثل هذه الثمار فينا أو في الآخرين؟ هل سبق لنا أن عبرنا، في مختلف مجالات حياتنا، من الظلمة إلى النور، من الشلل إلى الحرية، من العزلة إلى العلاقة والاتصال والمشاركة، من الصمم إلى الفهم، وأخيراً مما كان يشكل انغلاقاً أو موتاً في حياتنا إلى حياة حقيقية؟ هل سبق واختبرنا شيء من هذا التجدد، من هذه الحرية؟

من المهم جداً أن نقرأ ونعيد قراءة تاريخنا لا من أجل تمجيد ذاتنا، بل لكي نستطيع أن نمجد ونكتشف مصدر هذا التحرر. لمن كانوا حوله يطرح يسوع عليهم سؤالاً آخر: ماذا خرجتم إلى البرية تنظرون؟ بهذا السؤال يرسل يسوع إلى تجربة المعمدان. واليوم كثر من قاموا بتجربة حياة جديدة من خلال اكتشافهم ليسوع المسيح.

لا شك أن انتظار مجيء المسيح يتطلب الصبر كما تقول لنا رسالة يعقوب اليوم. الصبر ولكن أيضاً عدم الصبر لا بمعنى تسرع المعمدان، إنما بمعنى كثافة الانتظار والرغبة.

SHARE