الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 25 كانون الأول 2022. موعظة عيد الميلاد

2022-Dec-25 | عظات | 269

أش 62، 1 – 5  طيط 2، 11 – 14    لو 2، 1 - 14

 

منذ الأزل والإنسان عندما يواجه أزمة معينة يتساءل أين هو الله؟ ونحن، منذ بداية الأزمة، نطرح التساؤل نفسه عسى أن يأتي ويخرجنا من هذه الأزمة. في كل ميلاد نحتفل بمجيء النور، لكننا حتى الآن لم نرى فعلياً هذا النور. فهل يمكننا اليوم أيضاً التحدث عن النور الذي يحمله لنا يسوع بولادته؟ ماذا يمكننا أن نقول عن الميلاد اليوم ونحن في يأس كبير؟

باختصار نحن نختبر اليوم أكثر من أي وقت مضى صمت الله أمام كل نعبر به. فكيف يمكننا أن نفهم هذا الصمت؟ بحسب الكتاب المقدس، في البدء كان الصمت «وكانت الأرض خاوية خالية وعلى وجه الغمر ظلام وروح الله يرفرف على وجه المياه». من هذا الصمت بدأت عملية الخلق، ومن صمت القبر صباح الأحد انبعثت القيامة، خلق وحياة من جديد.

بين دفن يسوع وصباح القيامة نحن أمام فجوة نصية. لم يروي الإنجيليين القيامة لأنه لم يكن هناك شهود. بالمقابل، نقل لنا الإنجيل كلمات أو حقائق لم يسمعها ولم يراها أحد، كما هو الحال في بستان الزيتون حيث يقول يسوع في صلاته: «إن كان مستطاعاً أبعد عني هذه الكأس لكن لا مشيئتي بل مشيئتك... وصار عرقه كقطرات دم متخثر تقع على الأرض». بينما التلاميذ كانوا مستسلمين للنوم.

ممَّا يعني أن الفراغ الذي تغطي به الروايات الكنسية قيامة يسوع متعمد ولا يعاني من نقص المعلومات. كتفسير أولي يمكننا التأكيد على الطابع فوق التاريخي للقيامة. القيامة «تشكل تجاوزاً لمحدوديتنا، وبالتالي لا يمكن التحقق منها». ولكونها تحدث في صمت القبر، صمت يتجاوز كل الكلمات، لا يمكن روايتها. فقيامة يسوع لا تفرض نفسها، تبقى في ظلمة السر.

صمت الأناجيل يثير وينتظر كلمة إيمان، لكنه لا يلزمها. وبالتالي فهو يحترم حرية جواب الإنسان لبادرة الخلاص. أمام معاناة يوم الجمعة، جمعة الآلام، هناك ذهول، بكاء ثم صمت وعلينا احترام هذا الصمت. لأن الذي يعاني له الحق في احترام صمته أو بالأحرى له الحق في الإصغاء إلى صمته.

أصدقاء أيوب الثلاثة الذين جاؤوا للشفقة عليه، ومواساته وإغراقه بخطاب حتماً غير ملائم تمامًا، بدأوا باحترام ألمه الصامت: «جَلَسوا معَه على الأَرضِ سَبعَةَ أَيَّامٍ وسَبعَ لَيالٍ، ولم يُكَلِّمْه أَحَدٌ بِكَلِمَة، لِأَنَّهم رَأَوا أَنَّ كآبَتَه كانَت شَديدةً جِدًّا» (أيوب 2، 12-13). صمت السبت هو من هذا المجال. تلاميذ وعائلة وأصدقاء يسوع أصيبوا بالذهول مما حدث، وهم محاصرون في حزنهم، حيث سيبقى التلميذين مساء القيامة في طريقهما إلى عماوس.

لكن نصوص الإنجيل تجعلنا نتخيلهم مجتمعين معًا، حيث سيكونوا هنا في يوم الخمسين (أع 1، 13 ت) أو حتى بعد إلقاء القبض على بطرس (أع 12، 12)، يصلون معًا، مستمدين من وحدة الجماعة القوة اللازمة للتغلب على المحنة. هذا الصمت يقودنا إلى صمت آخر، حيث بعد الدفن يقول الإنجيلي لوقا: «ثُمَّ رَجَعنَ وأَعدَدنَ طِيبًا وحَنوطًا، واستَرَحنَ راحةَ السَّبْتِ على ما تَقْضي بِه الوَصِيَّة» (لوقا 23، 56).

يلمح لوقا إلى اليوم السابع من الخلق الذي يختتم أسبوع ويجهز لما بعده. في اليوم الثامن، تبدأ حياة أخرى، امتدادًا للخلق الأول ومميزة عنه بفضل وقفة وصمت يوم السبت. علينا إذن أن نموت لنوع ما من حضور يسوع لكي يتمم عمل الخلاص فينا. هذا هو معنى كلمات القائم من بين الأموات لمريم المجدلية: «لا تُمسِكيني، إِنِّي لم أَصعَدْ بَعدُ إِلى أَبي، بلِ ٱذهَبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم، وإِلٰهي وإِلٰهِكُم» (يو 20، 17).

أعاد الكاردينال نيومان صياغة هذا الكلام على النحو التالي: «الصعود من هنا بالجسد والروح إلى أبي هو نزول بروح أبي إليكم. آنئذ سأكون حاضرًا لكم، على الرغم من أنني غير مرئي، حاضر بالفعل أكثر من اليوم. عندها ستكونون قادرين على الإمساك بي باحتضان غير مرئي ولكن أكثر واقعية».

لذلك فإن هذا الصمت مزدوج: يعلن نهاية وجود مكون من لحم ودم، ويدشن نوعية أخرى من الوجود: الكنيسة. في السبت الكبير، صمت كلمة الحياة يفتح على زمن جديد حيث الكلمة التي نقرأها على ضوء القيامة تولد ملء المعنى «لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولٰكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها. فمَتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدَكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكَلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث» (يو 16: 12-13).

صمت النساء وقت الدفن، يمكنه أن يكتشف، تحت مظاهر القبر، مهد ولادة جديدة. أتوا إلى القبر ليحملوا للجثة طيباً وحنوطاً، سوف ينطلقون من هنا، رسل لكلمة جديدة مذهلة. «هناك وقت للصمت ووقت للكلام»، (جا 3، 7). كل كلام صحيح يجد دعمه في صمت أساسي ينبثق منه. فلا يمكن إذن للكلمة المناسبة أن تولد إلا مدوزنة ــــ كما نقول في لغة الموسيقا ــــ على الصمت الذي يصغي ويؤدي إلى الشركة مع الكلمة المتجسد.

يقول يسوع في الإنجيل «الفقراء بينكم ومعكم إلى الأبد»، إنها مسؤوليتنا. فإن أردنا إلغاء الفقر والفقراء، الحروب والشر، الخروج من ظلماتنا، يبقى علينا استقبال هذا الصمت بالصمت لكي يستطيع الكلمة الساكن في صمتنا أن ينير ظلماتنا ويقودنا إلى ولادة جديدة حقيقية.

SHARE