موعظة يوم الأحد 9 نيسان 2023. موعظة أحد الفصح
متى 28، 1 – 10
« ولمَّا ٱنقَضى السَّبتُ وطَلَعَ فَجرُ يَومِ الأَحد، جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى تَنظُرانِ القَبْر. فإِذا زِلزالٌ شَديدٌ قد حَدَثَ. ذٰلك بِأَنَّ مَلاكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ وجاءَ إِلى الحَجَرِ فدَحرَجَه وجَلَسَ علَيه. وكانَ مَنظرُه كالبَرْق ولِباسُه أَبيضَ كالثَّلْج. فارتَعَدَ الحَرَسُ خَوفًا مِنه وصاروا كالأَموات. فقالَ الملاكُ لِلمَرأَتَين: «لا تخافا أَنتُما. أَنا أَعلَمُ أَنَّكُما تَطلُبانِ يسوعَ المَصْلوب. إِنَّه ليسَ هَهُنا، فقَد قامَ كما قال. تَعالَيا فَٱنظُرا المَوضِعَ الَّذي كانَ قد وُضِعَ فيه. وأَسرِعا في الذَّهابِ إِلى تَلاميذِه وقولا لَهم: إِنَّهُ قامَ مِن بَينِ الأَموات، وها هُوذا يَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل، فهناك تَرونَه. ها إِنِّي قد بلَّغتُكما». فتَركَتا القَبرَ مُسرِعَتينِ وهُما في خوفٍ وفَرحٍ عَظيم، وبادَرتا إِلى التَّلاميذِ تَحمِلانِ البُشْرى. وإِذا يسوعُ قد جاءَ لِلِقائِهما فقالَ لَهما: «السَّلامُ علَيكُما!» فتَقَدَّمَتا وأَمسَكَتا قَدَمَيه ساجِدَتَينِ له. فقالَ لَهما يسوع: «لا تَخافا! إِذْهَبا فبَلِّغا إِخوَتي أَن يَمضوا إِلى الجَليل، فهُناكَ يَرَونَني».
الموعظة
الإيمان المسيحي هو الإيمان بقيامة المسيح، كما يقول بولس الرسول: «إن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضًا باطل» (1 قور 15، 14). الإشارات الأولى لقيامة يسوع نجدها في أقدم رسالتين لبولس: الأولى إلى أهل تسالونيكي: كان مسيحيو تسالونيكي، قلقين بشأن مصير أولئك الذين ماتوا قبل مجيء يسوع، وبولس يواسيهم: «فأَمَّا ونَحنُ نُؤمِنُ بِأَنَّ يَسوعَ قد ماتَ ثُمَّ قام، فكَذلِك سيَنقُلُ اللهُ بِيَسوعَ ومعَه أُولَئِك الَّذينَ ماتوا» (1 تس 4، 14).
والأولى إلى أهل قورنتس حيث كان عدد من المؤمنين لم يعترفوا إلا بقيامة يسوع فقط، وبولس يجيب بوضوح: «إِذا كانَ الأَمواتُ لا يَقومون، فالمسيحُ لم يَقُمْ أَيضًا» (1 قور 15، 16 - 18). منذ هذه النصوص الأولى، أصبحت القيامة أساس الرجاء المسيحي في الخلاص. وفي نهاية رواية اهتدائه يقول بولس: «إني بِالشَّريعةِ مُتُّ عنِ الشَّريعةِ لأَحْيا لله، وقد صُلِبتُ مع المسيح. فإِذا كانَ البِرُّ يُنالُ بِالشَّريعة، فالمَسيحُ إِذًا قد ماتَ سُدًى» (غل 2، 19 - 21). لذلك كان يجب أن يعبر إعلان القيامة من خلال بشارة الصليب.
في الواقع، لا يفصل القديس بولس أبدًا إنجيل القيامة عن إنجيل الصليب: وجهان لحدث واحد وهو الخلاص. وذلك، لأن انتصار الله على الموت قد تحقق بموت يسوع نفسه، الذي يقول: «البَدْءُ والبِكْرُ مِن بَينِ الأَموات» (كول 1، 18)، أي أن قيامته تحتوي بداخلها على بذرة القيامة الشاملة لأن يسوع حمل في داخله بذرة الحياة وقبل الموت لكي ينقلها إلينا، ليتمم «مخطط الله»، ويشاركنا في ميراثه (أف 1). بالمقابل لا توجد حجة عقلانية تبرر الخلاص من خلال الصليب، لأنه عمل حب بلا مبرر، ولأن الحب يُعطى ولا يُفرض.
فقط منطق الصليب، ومنطق الحب، وبالتالي التواضع، يفسر لماذا لم تكن القيامة محاطة بأي علامة انتصار. ويستخلص: انتصرت قوة الله في ومن خلال جنون التبشير. ويسوع لم يجبر تلاميذه، على إعلانه حياً بعد الموت من خلال دليل مبهر مفاجئ لا يمكن دحضه. إنه يمنح نفسه الوقت ليجعلهم يشعرون أن حضوره عاد إليهم بطريقة جديدة تمامًا، ويمنحهم الوقت ليفاجئوا، ويشكوا، ويفكروا في الأمر، ويناقشوه فيما بينهم، وينفتحوا عليه.
وظهوراته خلال أربعين يوماً، كانت تهدف ليَثبت الغياب، ولتهدأ آلام الغياب، ويفسح المجال للرغبة، وتوقع لم الشمل، وليتحول الغياب إلى حضور. لم يكن التلاميذ متأكدين أبدًا من أنهم رأوا يسوع حقًا؛ لقد أيقظت الظهورات فيهم ذكريات، ولكنها مختلفة بحسب الشخص، مما دفعهم إلى الشك في شهادات بعضهم البعض، كما تكشف الظهورات في إنجيل مرقس.
ومع ذلك، من خلال الإصرار والتأخير في إظهار نفسه لهم بشكل خاص عندما يكونوا مجتمعين، بدأت الهوية والخبرات المشتركة والكلمات المتبادلة تأخذ محتوى، وانتهت بالانسجام والتواصل مع أحداث الأيام الأخيرة، وبالتالي تعرفوا عليه بالإجماع ودون تردد: «قال ذلك، وأراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ برؤية الرب» (يو 20، 20). وتم تثبيت الحضور مكان الغياب.
فالإيمان وحده هو الذي مكّن التلاميذ من الاعتراف، بالمصلوب القائم من بين الأموات، على أنه ابن الله. بالمقابل، يؤكد الإنجيل أن موت يسوع وقيامته قد تم «كما ورد في الكتاب». ويوحنا يقول: «ذلك بأنهما لم يكونا قد فهما ما ورد في الكتاب، من أنه يجب أن يقوم من بين الأموات» (20، 9)، ويخبرنا لوقا مرتين أن يسوع، عندما ظهر لهم، «فتح أذهانهم لفهم الكتاب المقدس»، محددًا بوضوح: لكي يتم «كُلُّ ما كُتِبَ في شأني، في شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياءِ والمَزامير» (24، 25- 27. 44 – 46). بهذه الطريقة ألقت فضيحة الصليب بظلالها على النتيجة السعيدة للقيامة.
متأملاً في المصير المأساوي للعديد من الأنبياء، سرعان ما شعر يسوع أنه لن يفلت من مصير أسلافه (متى 23، 31-37-39)، لأن الناس لا يقبلوا بسهولة كلمة الله، التي تزعجهم، وتدين فسادهم، وتستنكر نفاقهم. في نهاية رسالته، لخص تأملاته في التاريخ الكتابي في مثل الكرامين القتلة. لكن، يسوع كان يعلم جيدًا أن شر البشر لا يمكن أن يتغلب على محبة الله.
كان يقرأ الدليل على ذلك في كل صفحة من صفحات الكتاب المقدس. وهكذا، من هزيمة إلى نصر، من أسر إلى تحرير، كان تاريخ إسرائيل يُقرأ على أنه تناوب بين الموت والولادة الجديدة، حتى يتحول التحدي النهائي لله، الجريمة المطلقة التي ارتكبت ضد ابنه، إلى انتصار نهائي. كانت هذه قراءة يسوع للكتاب المقدس: قرأ فيه الفشل الذي كان ينتظره، لكنه كان يعلم أن الكلمة الأخيرة هي لله، للحياة لا للموت. ونقل قراءته هذه إلى تلاميذه خلال الأربعين يومًا حيث، وفقًا للوقا، «كلمهم على ملكوت الله» (أعمال الرسل 1: 3).
من خلال ربط حياة يسوع بناريخ الأنبياء، تعلم التلاميذ أن يكتشفوا فيه، استمرارية «مخطط الآب»، وشغفه بحب البشر، والذي وجد ذروته في شغف يسوع. لم يكن التلاميذ ليؤمنوا بعودة يسوع إلى الحياة لو لم يروا علامات حضوره بينهم؛ لكنهم لم يكونوا ليأخذوا هذه العلامات كدليل لو لم يقرؤوا الكتاب المقدس في ضوء كلمات يسوع التي ذكّرهم بها الروح القدس (يو 14، 26).
وبالمثل، لا يمكننا اليوم أن نعرف أن يسوع قام من الموت بدون شهادة التلاميذ. لهذا السبب، نحتاج إلى سماع كلمة الله التي تلهم وتؤكد هذه الشهادة وتقوي إيماننا، وأن نجمع بدورنا أفكارنا عن الله، ونتأمل في مشروعه الذي يعطي معنى لتاريخنا، لنولد من جديد على رجاء الملكوت الذي أعلنه يسوع، ونسمع صوت الآب يستجيب لصرخته بالتخلي على الصليب: «أنت ابني، أنا اليوم ولدتك» (عب 1، 5).