الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 28 أيار 2023. موعظة يوم العنصرة

2023-May-28 | عظات | 199

أع 2، 1- 11    1 قور 12، 3- 7. 12- 13  يو 20، 19- 23

 

«وفي مَساءِ ذلك اليَومِ، يومِ الأحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: "السَّلامُ علَيكم!" قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهم الرَّبّ. فقالَ لَهم ثانِيَةً: "السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضاً". قالَ هذا ونَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم»

 

الموعظة

عيد الخمسين لدى اليهود هو ذكرى عطاء الله للشريعة في سيناء. فمن الآن فصاعداً لن يعطي الله الشريعة للبشر، بل روحه. ومن هذا العطاء ستولد للمرّة الأولى جماعة مسيحية، بانطلاقة لا تُقاوم، لا يمكن لشيء ولا لأحد أن يوقفها. ولكن في الواقع بماذا نحتفل اليوم؟ ما هو دور الروح القدس في حياتنا اليومية العادية؟ لكي يبين لنا فقر الكلمات للتعبير عن الولادة الغير معقولة. يتحدث كتاب أعمال الرسل عن ضجيج، ورياح عنيفة ونار تنقسم إلى ألسن.

مع الإنجيلي يوحنا تترك العاصفة المكان للكلمة التي تنزلق إلى العمق: «ومتى جاء المؤيد الذي أرسله إليكم من لدن الآب روح الحق المنبثق من الآب فهو يشهد لي». وعد بأمانة بدون ثغرة بما أنه يتحدث عن مدافع بشكل دائم. فالعنصرة بحسب يوحنا حذرة إلى حد الخفاء على عكس أعمال الرسل. لا وجود للرياح ولا للضجيج ولا.... فقط روح. وهو روح يسوع.

هذا الروح يرسلنا بدون شك لروح الله الذي يرفرف على المياه أثناء خلق العالم، إلى روح الله الذي يحي الإنسان في رواية الخلق الثانية. نفس، ريح، روح، لهم إلى حد ما المعنى ذاته في الكتاب المقدس عندما يتحدثون عن الله، عن عبور الله في حياتنا، عن عمله في الخلق. لأن هذا هو الموضوع الحقيقي للعنصرة. فالموضوع هو استمرارية العيش من بوادر الله، من قوته الخلاّقة من أجلنا وأجل العالم. وهذا ما سنعلنه بعد بضع ثواني «نؤمن بالروح القدس الربّ المحيي». فالعالم يبدأ دائما من جديد بفضل عمل الروح فيه.

هذا العالم الذي أكثر من أي وقت كان، يبحث عن نَفَسه، عن انطلاقته الداخلية. والسؤال: أي روح يسكننا؟ أية انطلاقة تحملنا على مدار الأيام، بالرغم من الآلام، والفشل، والشك؟ أين يكمن مصدر رجاءنا؟ مكان كياننا العميق هو مكان الله، «هيكل الروح»، هذه المساحة حيث روح المسيح يستمر في عمل الحياة، موسِّعاً أفاقنا، ولا يسمح لحدود وجودنا، من أي نوع كانت، أن تشل أو أن تُضمر حركة الحياة.

علينا الاعتراف بأننا بحاجة للروح ولمواهبه. يسوع يعد بمجيء الروح المعزي الذي يُدخل التلاميذ في «الحقيقة كلها». فالمسيح يعلم جيداً، في الساعة التي يعبر فيها من هذا العالم إلى أبيه، أن عليه أن يعزز إيمان التلاميذ. في الصعوبات التي سيواجهونها، كذلك الأمر المسيحيين الأوائل الذين سيعانون الاضطهاد، عليهم أن يعلموا بأنهم ليسوا وحدهم: روح القوة وروح الحقيقة سيكون إلى جانبهم.

بفضل الروح يمكننا أن نلمس حضوره وعبوره في حياتنا، عندما نستقبل ونختار الحب، الفرح والسلام والصبر، كما يقول لنا بولس الرسول. إذا نظرنا إلى مجتمعنا، وإلى العالم، سوف نجد الأماكن التي نحن بحاجة فيها إلى الشجاعة، لكي نصنع الحقيقة ضد كل أنواع الكذب والتزوير، ونحقق الوحدة مقابل الانشقاق. باختصار، كل مرة نحن بحاجة لكي ننظر لأبعد. ولكن إحدى مواهب الروح القدس هي الحرية الداخلية. كل منّا اختبر يوماً شيء من هذا القبيل. هذه الضمانة التي تولد من اليقين بأننا لسنا وحدنا، وأنه مهما حصل، الجوهر حاضر، ومُعطى لنا.

هذه الضمانة تحررنا من الخوف وتحرر ألسنتنا، وتسمح بأن نجد مجدداً الكلمة، هذه الكلمة الموجودة من البدء وتتكلم فينا وفي هذا العالم؛ هذه الكلمة الذي صار جسداً في يوم ما من تاريخنا ليصبح واحداً منّا. مع الرسول بولس، يمكننا القول «وهذه الأشياء ما من شريعة تتعرض لها... فإذا كنا نحيا حياة الروح، فلنسر أيضا سيرة الروح» (غلا 5).

مع العنصرة ينتهي ما نسميه بالزمن الفصحي ويبدأ زمن الروح. فتمييز صوت الروح من بين العديد والعديد من الأصوات التي تتكلم في العالم يتطلب منا ومن الكنيسة أن نكون متوجهين كلية نحو المسيح الذي أعطانا روحه. هذا الروح الذي يشكل الجماعة المسيحية، يدعونا أيضاً لكي نعتني بالكنيسة. لكي تكون أكثر فأكثر مكان حرية وحقيقة، ولكي نشهد بثبات وبحق لهذا الحب لعالمنا الذي ينتظر هذه الكلمة الوحيدة القادرة أن توجهه نحو المستقبل.

عسى للروح بين النسمة الخفيفة والعاصفة، هو من يقلب مخططاتنا ويفاجئ انتظاراتنا، أن يجدنا راغبين وجاهزين لعبوره؛ لكي يستمر، معه، انتصار الحياة.

SHARE