الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 4 حزيران 2023. موعظة أحد الثالوث

2023-Jun-04 | عظات | 184

خر 34، 4 – 9      2 قور 13، 11 – 13     يو 3، 16 – 18 

 

«فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمِنْ بِه فقَد دِينَ مُنذُ الآن لِأَنَّه لم يُؤمِنْ بِاسمِ ابنِ اللهِ الوَحيد»

الموعظة

في نهاية زمن الفصح، تدعونا الكنيسة، بعد أحد العنصرة، للتأمل في سر الثالوث، جوهر الإيمان المسيحي، لكنه سر منسي، وغالباً، نحن حذرين بعض الشيء أمامه. اللاهوتي الكبير كار رانر يقول: «المسيحيون يعلنون، في قانون الإيمان، إيمانهم بالله الثالوث أو من خلال الإفخارستيا، لكنهم لا يزالوا توحيدين على صعيد ممارسة حياتهم المسيحية». في الواقع، بالنسبة لكثير من المسيحيين، يبقى هذا السر في الظل.

فسر الثالوث يجد أساسه في الكتاب المقدس. ولكن إذا كان هذا السر أساسي للوحي المسيحي، لا بل مركزي بكل معنى الكلمة، ففي الكتاب المقدس يمكننا أن نجد «ولادته»، إن صح التعبير. في العهد القديم حيث، الله هو من يبحث عن الإنسان، مخاطراً المواجهة مع حريتنا. «آدم أين أنت؟»، يسأل الله الإنسان بعد السقوط.

ثم يتابع هذا الأمر في تاريخ شعب العهد القديم الذي اختاره الله على السراء والضراء ويحبه حتى الجنون «وإِنِ ابتَعَدَتِ الجِبالُ وتَزَعزَعَتِ التِّلال فإِنَّ رَأفَتي لن تَبتَعِدَ عنكِ وعَهدَ سَلامي لن يَتَزَعزَع قالَ الرَّبُّ راحِمُكِ» (أش 54، 10). كما يُروى في تقليد العهد القديم بأن الله يدخل أحياناً ليتحدث مع نوح بخصوص قياسات السفينة أو مع إبراهيم حول عدد الأبرار الضروري لخلاص مدينة سدوم.

لكن تدريجياً يمّحي الله وراء الوساطات: الملائكة، الحكمة، الكلمة والروح ليحافظ على تعاليه وبعده مع مجيئه للقائنا. ففي العهد القديم، الأشخاص الثلاثة ليسوا مُحدّدين بعد، الواحد مقابل الآخر، لكنه يُفهمنا بأن الله هو علاقة مع الإنسانية وعلاقة مع ذاته. في العهد الجديد، مع المسيح، الكلمة، يلتحق الله بشعبه ويسكن في وسطه.

ولكن لا يمكننا تأسيس إيماننا بالثالوث بناءً على بعض الإعلانات عنه كما هو الحال في إنجيل متى «اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس» (متى 28، 19). أو في خطابات الإنجيلي يوحنا. إنما في سر الصليب حيث الآب سلمنا ابنه عارفاً بما يمكن للبشر أن يتصرفوا، أو أن يقوموا به! والابن يسلّم ذاته للآب وللبشر حتى الموت، ويعطينا الروح لكي نستطيع أن نعطي ذاتنا على مثال المسيح وبالتالي نلتحق بحبّ الله الآب.

فكل شيء يأتي من الآب وكل شيء يعود إليه، بالابن وبالروح القدس. يبقى السؤال: كيف يمكننا أن نعيش هذا السر؟ كيف يمكننا التحدث عنه؟ الله في كيانه هو حبّ، وهذا ما كشفه لنا على الصليب. ولكن لا يمكن لله أن يكون حبً إلاّ إذا أحبَ. ولا يمكننا أن نُحبّ إذا كنّا وحيدين. فالله ليس فردانية منغلقة على ذاتها. إنه تبادل مستمر، وبالتالي خالق للغيريّة وللعلاقة. من هنا القناعة بالتعددية في الله.

حبّ الله هو وحدة التعددّيّة. وحدة الله ليست عزلة، إنها تواصل في الحبّ. بمعنى آخر، ليس فقط، الثالوث يكشف لنا حبّ الله، بل حبّ الله هو الذي يكشف لنا الثالوث. وبالتالي ليس من المدهش أو الغريب، أن الله هو الذي «أحبّ العالم» (يو 1، 16). وكما سمعنا في بداية إنجيل اليوم، الله يرغب في بناء العلاقة ذاتها والتواصل عينه، مع الإنسانية ككل ومع كل واحد وواحدة منّا. فالله يُخلق الاختلاف والغيّرية، وفي الوقت نفسه، يرغب في اللقاء.

ليس من المدهش والغريب أيضاً، أنه لكوننا مخلوقين على صورته، أن نجد في قلبنا دعوة لعيش العلاقة كمكان نمونا، في التكامل والوحدة. ونحن أيضاً مدعوين لنصبح جسداً واحداً، انطلاقاً من تنوعنا. بالمقابل هذه الوحدة لا تُلغي، ما يجعلنا مختلفين، بل على العكس عليها أن تدعم هذا الواقع. والفصل الأول من سفر التكوين يقول لنا بأن الله خلق البشرية على صورته ومثاله، ذكراً وانثى خلقها.

فالزوج وليس الفرد هو الذي يصبح هكذا أجمل صورة أو أفضل مثل يقول لنا الله. فالقول بأن الله سر لا يعني أننا لا نستطيع أن نفهم شيئاً عنه، لكنه كبير جداً على عقولنا وإمكانياتنا. فالله وضع في العالم انعكاس عنه وهو الزوج وبدون شك الصورة الأفضل لتقول لنا بأن الله علاقة وتواصل، لكن هذا يمتد أيضاً على كل أنواع العلاقات الإنسانية. فجوهر المسيحية يكمن في حبّ الله وحبً القريب.

 

وبالتالي، من خلال طريقة استقبالي لهؤلاء الرجال والنساء الذين يعطيني إياهم الله، تظهر طريقة عيشي لسر الثالوث. أياً كانوا هؤلاء الرجال والنساء، وبتأملي فيهم بوجه المسيح المشع أو المشوه. فحبّ الله وحبّ البشر مرتبطين بقوة في دائرة لا تنقطع. ولا شك أن الثالوث يبقى سر، ولا يمكننا أن نفكك السر، بل ندخل فيه من خلال التأمل الذي يغذي مجمل حياتنا.

في النهاية أقول: إنه لأمر حيوي لحياتنا كإنسان وللحياة بين الناس أن نكتشف أنه «ما من أحد هو أحد بمفرده، بما فيهم الله».

SHARE