موعظة يوم الأحد 25 حزيران 2023. موعظة الأحد الثاني عشر من الزمن العادي
إر 20، 10-13 رو 5، 12-15 متى 10، 26-33
«لا تَخافوهُم إِذاً! فَما مِن مَستُورٍ إِلاَّ سَيُكشَف، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَم. والَّذي أَقولُه لَكم في الظُّلُمات، قولوه في وَضَحِ النَّهار. والَّذي تَسمَعونَه يُهمَسُ في آذانِكم، نادوا بِه على السُّطوح. لا تَخافوا الَّذينَ يَقتُلونَ الجَسد ولا يَستَطيعونَ قَتلَ النَّفْس، بل خافوا الَّذي يَقدِرُ على أَن يُهلِكَ النَّفْسَ والجَسدَ جَميعاً في جَهنَّم. أَما يُباعُ عُصفورانِ بِفَلْس؟ ومعَ ذلِك لا يَسقُطُ واحِدٌ مِنهُما إِلى الأَرضِ بِغَيرِ عِلمِ أَبيكم. أَمَّا أَنتُم، فشَعَرُ رُؤُوسِكم نَفسُه مَعدودٌ بِأَجمَعِه. لا تَخافوا، أَنتُم أَثمَنُ مِنَ العَصافيرِ جَميعاً. مَن شَهِدَ لي أَمامَ النَّاس، أَشهَدُ لَه أَمامَ أبي الَّذي في السَّموات. ومن أَنْكَرَني أَمامَ النَّاس، أُنْكِرُه أَمامَ أَبي الَّذي في السَّمَوات»
الموعظة
«كنت إنسانة خائفة». هكذا اختصرت امرأة غير متزوجة حياتها بعد أن عملت خلال 48 سنة بائعة في مكتبة. تخيلوا للحظة ما الذي كان يمكن أن يحدث لو عبّرت هذه المرأة عن شغفها، عن رغبتها الحقيقية والعميقة، عما يهمها، عن أهوائها التي كانت تعبر في رأسها. قد كان من الممكن أن تصبح في مركز ما في الدولة، أو مديرة المكتبة الوطنية، أو... أو قد تلتقي برجل ترتبط به وتكون عائلة.
هذا ما لا يمكننا معرفته أبداً. فالخوف يمكنه للأسف، أن يحدد مسيرة وجود بكامله. الخوف يلعب دوراً كبيراً في حياة الناس، واليوم في مجتمعنا بشكل خاص في هذه الأيام: عشر سنين حرب، وباء الكورونا، وأخيراً قانون قيصر. وما هو غريب ومختلف أصبح يشكل خطراً وتهديداً. ونحن المسيحيين موجودين في عالم حيث نشكل الأقلية، أو مهمشين نظراً لقيمنا أو لاهتماماتنا.
ولكن ما ينطبق على المسيحي ينطبق على كل إنسان قد يواجه، من خلال اكتشافه لما هو عليه فعلياً، السخرية أو المعارضة. في هذا الإطار أريد أن أتأمل معكم إنجيل اليوم. «لا تخافوا». هذا ما يكرره يسوع في إنجيل اليوم ثلاث مرات. ما أنتم عليه بالفعل، سوف «ينفجر»، إن صح التعبير، في وضح النهار. سوف يُكشف يوماً بفعل كلمة الله.
فلا تخافوا أن تعلنوه مباشرة. ويضيف: أعداءكم الحقيقيون، ليسوا هم الذين يستطيعون أن يضايقونكم ويسببون لكم الأذى الجسدي أو المالي، إنما هم الذين يسعون جاهدين ليمنعوكم أن تصبحوا ما أنتم عليه لدرجة أنكم لا تجرأوا مطلقاً أن تعبّروا عن الروح الذي وضعه الله فيكم: «فَما مِن مَستُورٍ إِلاَّ سَيُكشَف، ولا مِن مَكتومٍ إِلاَّ سَيُعلَم. والَّذي أَقولُه لَكم في الظُّلُمات، قولوه في وَضَحِ النَّهار. والَّذي تَسمَعونَه يُهمَسُ في آذانِكم، نادوا بِه على السُّطوح».
من السهل قول ذلك، ولكن كيف يمكننا أن نجد الضمان الضروري لذلك. هنا يعطينا يسوع أساس إيماننا: «إذا كان الله يهتم بالعصافير التي تُباع بفلسين، إذا كان الله يهتم بعدد شعر رؤوسنا فهو حتماً إلى جانبنا في كل لحظة من حياتنا». يسوع استطاع أن يقول ذلك لأنه كان يقف ويتأمل العصافير، لأنه كان يأخذ الوقت للدخول في عمق الآخر ويفهم بمشاعره بأن الله يهتم بكل ذلك.
وإذا كان الله يهتم بكل ذلك، فهو حتماً يهتم بي، بما أنا عليه، بما هو فريد لدي، بما أعيشه. ماذا نعمل إن لم نكن نخاف شيئاً؟ إن تجرأنا، قد نقول بحب وعاطفة بعض الحقائق التي يصعب التعبير عنها لأناس هم سبب هموم لنا. نتجرأ ونعارض بعض المبادرات التي نعتبرها مؤذية. نخاطر بعمل جديد، أقرب ما يمكن لإمكانياتنا ورغباتنا الحقيقية. نثق بالمستقبل ونتبع رغبتنا. نستقبل أشخاص مختلفين عنا كثيراً، الخ. واللائحة تطول بدون شك على قدر إمكانياتنا.
نص إنجيل اليوم هو جزء من خطاب يسوع حيث يشرح ما ينتظره من التلاميذ. فالتحدي الذي ينتظرنا كمسيحيين ليس الاضطهاد الديني. التحدي يكمن في مقاومة كل أنواع الإيديولوجيات التي ترفض وحدة الكائن الإنساني، وتريد أن تمنعه من أن ينمِّي بحرية، ما زُرع في أعماقه، التي تسخر من ألمه أمام شقاء الآخرين، وتستهزأ من رغبته اللامحدودة وطموحاته ليجد نبع كيانه.
نهاية الإنجيل تبدو قاسية: «مَن شَهِدَ لي أَمامَ النَّاس، أَشهَدُ لَه أَمامَ أبي الَّذي في السَّموات». ماذا يعني ذلك؟ من يرفض خوفاً أن يصبح ما هو عليه، لا يمكنني أن أصادق على الشخصية التي تنتج عن ذلك. في النهاية، نص إنجيل اليوم، يشكل دعوة إلى الحرية، حرية أمام كل ما يمنعنا من أن نكون ذاتنا، على صورة الله كمثاله.