موعظة يوم الأحد 6 آب 2023. موعظة عيد التجلي
دا 7، 9 – 10. 13 – 14 2 بط 1، 16 – 17 متى 17، 1 – 9
«وبَينَما كُنتُ أَنظُر إِذ نُصِبَت عُروش فجَلَسَ قَديمُ الأَيَّام وكانَ لِباسُه أَبيَضَ كالثَّلْج وشَعَرُ رَأسِه كالصُّوفِ النَّقِيّ
وعَرشُه لَهيبَ نار وعَجَلاتُه نارًا مُضطَرِمَة. ومِن أَمامِه يَجْري ويَخرُجُ نَهرٌ مِن نار وتَخدُمُه أُلوفُ أُلوف وتَقِفُ بَينَ يَدَيه رِبْواتُ رِبْوات. فجَلَسَ أَهلُ القَضاء وفُتِحَت أَسْفار. وكُنتُ أَنظُرُ في رُؤيايَ لَيلًا فإِذا بِمِثلِ ٱبنِ إِنسان آتٍ على غَمامِ السَّماء فبَلَغَ إِلى قَديمِ الأَيَّام وقُرِّبَ إِلى أَمامِه. وأُوتِيَ سُلْطانًا ومَجدًا ومُلكًا فجَميعُ الشُّعوبِ والأُمَمِ والأَلسِنَةِ يَعبُدونَه وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيٌّ لا يَزول ومُلكُه لا يَنقرِض».
الموعظة
قبل التجلي بأيام قليلة، أعلن يسوع لأول مرة بعبارات واضحة جدًا أن عليه أن يتألم ويموت: «يَجِبُ على ٱبنِ الإِنسانِ أَن يُعانِيَ آلامًا شَديدة، وأَن يَرذُلَه الشُّيوخُ وعُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَلَ ويقومَ في اليَومِ الثَّالِث». وهذا الأمر شكل صدمة وفضيحة لبطرس «فنفرد بِه بُطرُس وجَعَلَ يُعاتِبُه فيَقول: «حاشَ لَكَ يا رَبّ! لن يُصيبَكَ هٰذا!». فالتفت وقالَ لِبُطرس: «انسحب! وَرائي! يا شَيطان، فأَنتَ لي حَجَرُ عَثْرَة، لِأَنَّ أَفكارَكَ لَيسَت أَفكارَ الله، بل أَفكارُ البَشَر».
ويضيف يسوع «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني». إذن، لا يمكن لأحد أن يكون تلميذا ليسوع إلا إذا «كفر» بنفسه وحمل صليبه. بعد التجلي، ينزل يسوع من الجبل، ويكرر إعلان آلامه. أثناء التجلي، يذكر الإنجيلي لوقا أن موسى وإيليا تحدثا عن اقتراب رحيل يسوع إلى أورشليم. فالموضوع هو، إذن، بكل بساطة موضوع الآلام. ثياب يسوع، يقول النص، أصبحت ناصعة البياض. ووجهه يضيء كالشمس. وصوت يتكلم من داخل السحابة.
هذه السحابة هي سحابة الخروج التي أرشدت العبرانيين في الصحراء. فكل شيء يقول لنا: إنه الله. مما يعني إن الله هو الذي سيتألم ويموت. فشهود المجد على الجبل سيكونوا غدًا شهود الضعف في بستان الزيتون. من يشرق وجهه كالشمس سيكون إنسان فقير يتعرق دما ويصارع بين قبول ورفض الموت: «إن كان مستطاعاً أن تبعد عني هذه الكأس، لكن لا مشيئتي بل مشيئتك». بين هذا المجد وهذا الضعف، لا معارضة، بل وحدة لا تنكسر.
لحظة رؤية يسوع الرائعة كانت بلا شك قصيرة للغاية، لكنها كانت رائعة لدرجة أن بطرس اقترح إطالة أمدها وحتى جعلها أبدية. لقد حلم بصوت عالٍ أن السعادة ستكون في الاستقرار في هذه اللحظة التي أصبحت أبدية، ويمتلك الله وجهاً لوجه وإلى الأبد. ولكن قبل أن ينهي كلامه، لفَّهم جميعاً الضباب، بينما أتى صوت من السماء يقول: «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا». بهذه الطريقة قطع الله الطريق أمام أي مشروع إقامة في المكان.
لا استقرار، بل استمرار! والعودة إلى السهل. في السهل، حيث يعيش الناس، هناك شيء واحد فقط مهم: الإصغاء إلى يسوع لنفعل ما يقول، والإصغاء يعني أيضًا الطاعة. هناك أشخاص يقولوا لنا بأنهم اختبروا حضور الله بحياتهم ويريدوا أن تكون هذه الخبرة أبدية على مثال بطرس. في هذه الحالة ما من شيء يشكل مشكلة. والإيمان أمر طبيعي وبديهي. ويشعرون كما لو أنهم، إن صح التعبير، يسبحون في النور.
وفجأة يأتي الضباب. ينزلون إلى أرض الواقع حيث يعيش الناس مع عائلاتهم ووظائفهم وعلاقاتهم وأمراضهم وخيباتهم وإخفاقاتهم، الخ. فيأتي الشك: «هل كل هذا صحيح حقًا؟ وقبل كل شيء، هل الله موجود؟ الخ. وبالتالي يُطرح سؤال الإيمان. لا نستطيع معرفة كيف يحكم الله على إيمان الإنسان، ولا بالتالي ما هي قيمته، ولا حتى ما هو. كل الذين يأتون اليه، يطلب منهم يسوع الإيمان. ويبدو أن الإيمان، في محيط يسوع، نادر للغاية ولكنه، في نفس الوقت، شائع جدًا.
نادر للغاية: ممَّا يجعل يسوع يتوجه للفريسيين بنبرة صارمة وحزينة: «جيل فاسد كافر!» وإلى الرسل: «يا قليلي الإيمان!». ومع ذلك، فهو شائع جدًا: إنه يظهر أينما وجد يسوع؛ وهو نفسه يعلن للوثنيين، وللسامريين، وللعاهرات، وللعشارين، أن إيمانهم كبير. بينما للفريسيين، اللاهوتيين المؤهلين، يؤكد بقوة أنهم لا يملكون الإيمان. ويقول لتلاميذه إن لديهم القليل من الإيمان. فعدم الإيمان هو من جهة محترفي الإيمان، أصحاب الإيمان.
المسيح لا يحكم كما نحكم نحن. فالإيمان الحقيقي هو استجابة لمبادرة الله. ومبادرة الله لا يمكن أن تكون فرضًا لحقيقة جاهزة على الإنسان أن يخضع لها دون التزام جدي للحرية. الإيمان هو تجربة تكتشف الحقيقة بفعل العمل الشاق والمتلمس لطريقه. وكلمة يسوع ليست خارج هذا العمل. إنها تحييه وتنيره من الداخل.