الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 13 آب 2023. موعظة الأحد التاسع عشر من الزمن الفصحي

2023-Aug-13 | عظات | 225

1 مل 19، 9 – 13     رو 9، 1 – 5   متى 14، 22 – 33

 

«بعدَ أَن شَبِعَ الجُموع، أَجبَرَ يسوعُ التَّلاميذَ مِن وَقتِه أَن يَركَبوا السَّفينَةَ، وَيَتَقَدَّموهُ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل، حتَّى يَصرِفَ الجُموع، ولمَّا صرَفَهم صَعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّيَ في العُزلَة. وكانَ في المساءِ وَحدَه هُناك. وأَمَّا السَّفينَةُ، فَقَدِ ابتَعَدَت عِدَّةَ غَلَواتٍ مِنَ البَرّ، وكانتِ الأَمواجُ تَلطِمُها، لأَنَّ الرِّيحَ كانت مُخالِفَةً لَها فعِندَ آخِرِ اللَّيل، جاءَ إِليهِم ماشِيًا على البَحْر. فلَمَّا رآه التَّلاميذُ ماشِيًا على البَحْر، اِضطَرَبوا وقالوا: «هذا خَيَال!» واستَولى عَليهِم الخَوفِ فَصَرَخوا فبادَرهم يسوعُ بِقَولِه: «ثِقوا. أَنا هو، لا تَخافوا!» فأَجابَه بُطرس: «يا رَبِّ، إِن كُنتَ إِيَّاه، فمُرني أَن آتِيَ نَحوَك على الماء» فقالَ لَه: «تَعالَ!» فنَزَلَ بُطرُسُ مِنَ السَّفينَةِ ومَشى على الماءِ آتِيًا إِلى يسوع. ولكِنَّه خافَ عندَما رأَى شِدَّةَ الرِّيح، فَأَخَذَ يَغرَق، فصَرَخ: «يا رَبّ، نَجِّني»!  فمَدَّ يسوعُ يَدَه لِوَقْتِه وأَمسكَه وهُو يقولُ له: «يا قَليلَ الإِيمان، لِماذا شَكَكْتَ؟» ولمَّا رَكِبا السَّفينةَ، سَكَنَتِ الرِّيح، فسجَدَ لَه الَّذينَ كَانوا في السَّفينةِ وقالوا: «أَنتَ ابنُ اللهِ حَقًّا!»

الموعظة

إن السير على الماء أداء غير عادي وله معنى خاص في التقليد الكتابي. والمياه هي رمز قوى الشر والموت حيث تسكن وحوش البحر. فالسير على الماء يعني السيطرة على هذه القوى. يسوع يسيطر على قوى الشر. وبدعوة بطرس لاتباعه، يدعوه للمشاركة في انتصاره على الموت والشر. بطرس يتقدم، ويمشي على الماء، ولكن عندما يدرك هبوب الرياح، يشك في إمكانية السير طوال الطريق، يخاف ويبدأ بالغرق.

ما دام يثق بكلمة يسوع، كان يسير، لكن الشك والخوف يجعلانه يغرق. عندما دعا يسوع بطرس لاتباعه على المياه الهائجة، حيث الريح تهب بالفعل، لم يخاف بطرس منها. أو بالأحرى، واثقاً بالكلمة ومَثل يسوع، يخرج من القارب ويمشي على الماء. طالما بقي في هذه الحالة الذهنية، فإنه يمشي على الماء، ولكن بمجرد أن يأخذ في الاعتبار القوى المعارضة، يخاف ويغرق. ويجب أن يمسكه يسوع من يده لينقذه من الغرق.

الأمر نفسه ينطبق على كل واحد وواحدة منا، وعلى الكنيسة بشكل عام، في مسيرة إيماننا على هذه الأرض. متأرجحين من الرياح المعاكسة، من الشر والموت، يدعونا يسوع للمشاركة في انتصاره، في الخلاص الذي يحمله لنا. في يسوع جاءت إلينا وعود الحياة الأبدية، والانتصار على الموت والشر. قيامته وعطية الروح القدس هما بداية تحقيق هذه الوعود.

بالقيامة، أظهر يسوع نفسه على أنه الشخص المسيطر على قوى الموت.

بعطية الروح القدس، يدعونا إلى المشاركة في هذا النصر الآن. ومع ذلك، لا تزال الرياح المعاكسة تهب، ولا يزال البحر هائجاً. مركبة الكنيسة دائماً متأرجحة، وقوة الشر دائمًا ملموسة، وعلينا دائمًا أن نعبر بالموت الجسدي. فالإيمان بيسوع، والإصغاء إلى كلمته، والسير على خطاه، لا يعني الوصول هنا، على الأرض، إلى ميناء الخلاص، والأمن الخارجي، والسكينة. علينا أن نسير على مياه هائجة لمواجهة الرياح المعاكسة.

بالتأكيد، نحن نعلم أن يسوع قد غلب الموت والشر، لكنه لم يُهدِّئ بعد العاصفة التي تهز قاربنا. ستهدأ العاصفة عندما يصعد يسوع إلى القارب. في الوقت الحالي، الإيمان بيسوع هو الثقة في دعوته للمشاركة في انتصاره منذ الآن. ولا ننسى أن يسوع هو أول من عبر بالموت دون أن تبتلعه المياه. ويؤكد لنا أننا نحن أيضًا، سوف نعبر، معه، مياه الموت.

أن يكون لدينا إيمان، هذا يعني، على مثال العذراء مريم عند أقدام الصليب، أن نقف منتصبين في العاصفة، وأن نمشي على الماء بنعمة يسوع وقوة الروح القدس. يمكن أن نخاف من البحار الهائجة والرياح المعاكسة. نحن لا نخلو من الخوف في مواجهة موتنا الجسدي، يمكن أن نخاف من قوة الشر في عالمنا وفي قلوبنا. فأن نكون مؤمنين لا يعني أن نمشي على مياه هادئة بالفعل وفي جو هادئ.

إن انتصار يسوع لم يُعبَّر عنه بالهدوء، بل بكونه يسير على مياه عاصفة ويدعونا إلى اتباعه. هذه المعركة ضد العناصر المعاكسة هي حالتنا على هذه الأرض. الهدوء لن يزول إلا في النهاية. مهمتنا اليوم هي أن نثق بيسوع، وبمثاله، وبكلمته. دعوتنا اليوم تكمن بأن لا نسمح لأنفسنا نتأثر بالعناصر المعارضة التي لا تزال تهب وتتهيج. إنما بأن تغمرنا قوة الروح الذي يبقينا مستمرين بالرغم من كل شيء. فحياة الرب لا تفرض قوتها بانهيار قوى الموت. إيليا، لم يتعرف على الرب بالنار، ولا بالإعصار، ولا بالزلازل، بل بهبوب نسيم خفيف. فحضور الله هو حضور حساس وهش لا يفرض نفسه بقوة، مثل إنسان وحيد وهش في بحر هائج. إنسانيًا، نفهم أن بطرس يشك في قدرته على مقاومة العناصر التي أطلقت ضده.

عدم فرض الله نفسه في وجه قوى الموت والشر، ليست علامة على ضعفه. إنها طريقته في الوجود والتصرف، في العالم وفي قلوبنا، احترام خليقته وحريتنا. تتكشف قوة الله في ضعف ظاهر، كما يشهد بولس: «يُضَيَّقُ علَينا مِن كُلِّ جِهَةٍ ولا نُحَطَّم، نَقَعُ في المآزِقِ ولا نَعجِزُ عنِ الخُروجِ مِنها، نُطارَدُ ولا نُدرَك، نُصرَعُ ولا نَهلِك، نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ المسيح لِتَظهَرَ في أَجسادِنا حَياةُ المسيحِ أَيضًا».

لكننا لن نُستثنى من مواجهة العناصر المعادية، ما وعدنا به هو أننا سنخرج منتصرين، وقيامة يسوع هي علامة انتصارنا. إنها إشارة ضعيفة على ما يبدو في مواجهة كل الرياح المعاكسة، والبحار الهائجة، لكنها ظلت طوال ألفي عام قوة الله لجميع الذين وضعوا ثقتهم فيها.

فالمحاكمات والعواصف والموت الجسدي في نهاية المطاف لا يسلم منها المؤمنين أو الكنيسة. لكن بنعمة الله، تدوم كنيسته عبر القرون، إنها علامة على قوة الله التي تتكشف في ضعف الإنسان.

SHARE