موعظة يوم الأحد 1 أيلول 2024. موعظة الأحد الثاني والعشرين من الزمن العادي
تث 4، 1 – 8 يع 1، 17 – 27 مر 7، 1 – 23
«واجتمع لديه الفريسيون وبعض الكتبة الآتين من أورشليم، فرأوا بعض تلاميذه يتناولون الطعام بأيد نجسة، أي غير مغسولة لأن الفريسيين واليهود عامة لا يأكلون إلا بعد أن يغسلوا أيديهم حتى المرفق، تمسكا بسنة الشيوخ.: وإذا رجعوا من السوق، لا يأكلون إلا بعد أن يغتسلوا بإتقان. وهناك أشياء أخرى كثيرة من السنة يتمسكون بها، كغسل الكؤوس والجرار وآنية النحاس. فسأله الفريسيون والكتبة: لم لا يجري تلاميذك على سنة الشيوخ، بل يتناولون الطعام بأيد نجسة ؟: فقال لهم: أيها المراؤون، أحسن أشعيا في نبوءته عنكم، كما ورد في الكتاب: هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد مني. إنهم بالباطل يعبدونني فليس ما يعلمون من المذاهب سوى أحكام بشرية. إنكم تهملون وصية الله وتتمسكون بسنة البشر. ودعا الجمع ثانية وقال لهم: أصغوا إلي كلكم وافهموا: : ما من شيء خارج عن الإنسان إذا دخل الإنسان ينجسه. لأنه من باطن الناس، من قلوبهم، تنبعث المقاصد السيئة والفحش والسرقة والقتل والزنى والطمع والخبث والمكر والفجور والحسد والشتم والكبرياء والغباوة. جميع هذه المنكرات تخرج من باطن الإنسان فتنجسه».
الموعظة
لا شك أن يسوع قاسي جداً مع الفريسين لينعتهم بالمرائين. بالمقابل لا يشكك بحبهم للشريعة، فشريعة الله جيدة. يريدون أن يكونوا أمناء لله: «إني أصوم مرتين في الأسبوع وأؤدي عشر دخلي» يقول الفريسي في صلاته. لكن يسوع يلفت الانتباه إلى انحرافين إن صح التعبير بخصوص القانون أو الشريعة: الأول هو التبسيط لدرجة تحد القانون بمنع ارتكاب الشر. والثاني هو التركيز على البعد الخارجي والتركيز بطريقة مبالغة على التصرفات الخارجية المرئية من قبل الجميع.
بداية شريعة الله هي نور. القراءة الأولى تقول لنا بأن الله أعطى الشريعة لكي نحيا. فالشريعة تبين لنا بأن الله مهتم بنا وبما نقوم به ولا يحتمل أن يرى أبناءه يرتكبون الشر دون أن يحذرهم. الشريعة تبين لنا الطريق وتنذر بالخطر. بمعنى آخر الله يعطينا «طريقة الاستعمال». أخيراً الشريعة تربوية بامتياز. الشريعة جيدة لكونها تحمينا من الانغلاق بالنوايا الحسنة على حد القول: «جهنم مفروشة من النوايا الحسنة». والتجربة تكمن في حد القانون بعدد معين من الممنوعات، والقيام ببعض الممارسات.
لكن جوهر حياتنا المسيحية لا يتمثل في تجنب الشر بل في فعل الخير. تضع الشريعة حواجز أمنية، لكن الغرض منها ليس حصرنا في فعل الخير. عندما يُصاغ القانون بطريقة سلبية: «لا تقتل» يمكن أن يطمئننا. لكن عندما تتم صياغته بطريقة إيجابية: «أحبب قريبك حبك لنفسك»، يكون الأمر أكثر تطلباً ولم يعد هناك من حدود. لا يمكن أبدًا لأحد ما أن يطمئن ذاته ويقول: «كل شيء تمام. والله راضٍ عني».
يكمن الخطر في اختزال الدين إلى ممارسات واستخدامات ثانوية ترضي، في الواقع، حاجة الإنسان للشعور بالحق مع الله. فالنقاوة الحقيقية لا تكمن في النظافة الخارجية. الطهارة الحقيقية هي استعداد القلب، إنها الرحمة. وبولس يقول بأن «المحبة هي كمال الشريعة» (راجع رو 13: 10). وبنفس الطريقة، يمكننا تشيء الحب. هذا ما يحدث عندما ندعي الأمانة، بطريقة متصلبة إلى حد لما قمنا به دائماً بدلاً من أن نكون أمينين لمن تتطور وتتغير احتياجاته ورغباته.
فالأمانة يجب أن تكون دائماً ديناميكية وتتوجه إلى الإنسان أكثر من القانون. لا يمكننا فصل الشريعة عن الرحمة. ورسالة يعقوب تقول: «إِنَّ التَّدَيُّنَ الطَّاهِرَ النَّقِيَّ عِندَ اللهِ الآب هو افتِقادُ الأَيتامِ والأَرامِلِ في شِدَّتِهِم وصِيانَةُ الإِنسانِ نَفْسَه مِنَ العالَم». فالموقف من الفقراء والخطأة هو مكان للتحقق فيما إذا كنا نعيش الشريعة أم لا. الفقراء والخطأة يحموننا من الانغلاق على أنفسنا. إنهم يحررونا من أوهامنا، مما يحمينا من الوقوع في شكل من أشكال الكبرياء الروحي وعقدة التفوق.
أجمل مثال ديني له عيوبه: صرامة التقيد بالشريعة يمكن أن تولد ضميرًا جيدًا وتجعلنا نزدري من لا يفعلون بنفس القدر «الَّلهُمَّ، شُكراً لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا الجابي إني أصوم مرتين في الأسبوع وأؤدي عشر دخلي» يقول أيضاً الفريسي في صلاته.
في عالم اليوم، عالم المرئيات، نحن حساسين جدًا للمظهر الخارجي. غالبًا ما نعيش على مستوى الظهور أكثر من مستوى الكينونة. نجد صعوبة بالغة في تجاهل نظرة الآخرين. وهذا يجعلنا عبيدا.
في إنجيل اليوم، يدعونا يسوع إلى عدم الاكتفاء بالعمل على سلوكنا الخارجي فحسب، بل على دوافعنا، والأفكار التي تسكن قلوبنا. إنه ينتقد ممارسة دينية فارغة من روحها، من داخليتها، من قصدها الروحي. ليس ما يعتقده الآخرون عنا هو المهم، ولكن من نحن بالفعل. مع كل هذه التعاليم، هناك خطر كبير في إعطاء أهمية أكبر للطقوس الخارجية بدلاً من تصرفات القلب، والرغبة في الظهور بدلاً من أن نكون جيدين.
«ما من شيء خارج عن الإنسان إذا دخل الإنسان ينجسه ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان».